أصدر الدكتور وسيم منصوري مؤخراً، وهو القائم بمهام حاكم مصرف لبنان، بياناً قدم فيه وضعاً موجزاً معدلاً لمصرف لبنان مؤرخاً 31 كانون الاول 2023، اشار فيه من ضمن الايضاحات الى:
(1) وقف العمل بمبدأ الـ seigneuriage (وهي عملية صورتها الاولية رفد المصرف بايرادات الفرق بين القيمة الاسمية للنقود المتداولة وتكلفة سكها وطباعتها وتوزيعها وحفظها) عملاً بقرار المجلس المركزي رقم 23/36/45 تاريخ 20/12/2023،
(2) اضافة بند جديد في بيان وضع الموجز باسم «عمليات السوق المفتوحة والمؤجلة» تنقل اليه مجموع الاعباء المؤجلة عن عمليات هذا السوق. والهدف، حسب بيان منصوري، جعل قراءة الخسائر المحققة وتلك المؤجلة منسجمة مع المعايير والأعراف الدولية.
بخصوص ما سبق يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
الـ seigneuriage
يقضي قرار المجلس المركزي لمصرف لبنان، الذي اشار منصوري اليه في بيانه، بـ «تعليق» القرارات المتعلقة بالـ seigneuriage من دون تحديد لأي من صوره. والمقصود ضمناً ايقاف العمل جزئياً بسياسات معتمدة من قبل الحاكم السابق سلامه، كان الاخير قد تحدث مؤخراً عن شرعيتها وفائدتها في بيانه المؤرخ 14 نيسان 2020، مستنداً الى اربع اوراق عمل تبرر بنظره «تدوير مصرف لبنان الخسائر لاطفائها من ارباح مستقبلية متأتية من عدة مصادر دخل، منها القيمة الإبرائية لسك وطباعة العملة وعمليات السوق المفتوحة والأصول غير المادية».
بيان سلامه المؤرخ 14 نيسان 2020
أورد سلامه في هذا البيان الحجج التي تدعم سياساته في تدوير الخسائر واطفائها من ارباح مستقبلية وقد اتت كالتالي:
– إن المعايير الدولية للتقارير المالية IFRS قد اعدت أصلاً من أجل الكيانات التجارية ولا يمكن تطبيقها على المصارف المركزية. وهذا كان السبب الرئيسي وراء إنشاء معايير محاسبية منفصلة محددة في المبادئ التوجيهية الصادرة عن البنك المركزي الأوروبي حول الإطار القانوني للمحاسبة والتقارير المالية.
– إن مصرف لبنان، مثله مثل العديد من المصارف المركزية، اعتمد بشكل جزئي المعايير الدولية الخاصة بعرض التقارير المحاسبية والإفصاح عنها، إذ إن تطبيقها الكامل يتعارض مع الإفصاح عن الأنشطة المؤثرة في السوق.
– ان الخسائر قد تستمر لعدة سنوات. ومن السبل المتاحة لتغطيتها استخدام الاحتياطيات المتراكمة، وفي حال استنفاد تلك الاحتياطيات، معاوضة offset الخسائر المدورة بالأرباح المستقبلية، وذلك إلى حين تصفية تلك الخسائر ما قد يتسبب بأموال خاصة سلبية بانتظار استكمال العملية. ويمكن تسجيل الخسائر كمطلوبات على الدولة، فلا يتمّ بالتالي تسجيل أي أموال خاصة سلبية.
– ان كلفة الفوائد على الأدوات المالية قد تم تدويرها وتسجيلها كأصول في حسابات مؤقتة، على أن تتم معاوضة جزء منها في نهاية السنة وإطفاء ما تبقى من أرباح مستقبلية متأتية من عدة مصادر دخل كالقيمة الإبرائية لسك وطباعة العملة وعمليات السوق المفتوحة والأصول غير المادية.
وتسجيل الخسائر كأصول أو مطلوبات سلبية وليس كتخفيضات في الأموال الخاصة امر اعتمدته عدة دول ككوستاريكا في مستهل ثمانينات القرن الماضي والبيرو في الثمانينات أيضاً، وتايلاند إثر أزمة 1997، والمجر في التسعينات. وقد افضت هذه المعالجات الى تأزّم مالية مصارفها المركزية لكنها سمحت باستمرار التوزيعات للدولة بالرغم من حصول ضعف مالي كبير متفاقم.
– ان مصرف لبنان لا يعتبر تكاليف عمليات قام بها خسائر بل مبالغ مدورة ستطفأ بمداخيل مستقبلية.
التعليق على بيان سلامه
إن الاساس في المعالجات التي اشار اليها الحاكم سلامه في بيانه المؤرخ 14 نيسان 2020 هو وجود ارباح مستقبلية لدى مصرف لبنان كافية بشكل مؤكد لمعاوضة offset الخسائر المدورة. الا ان احدى اوراق العمل التي استند اليها سلامه في بيانه وهي الصادرة عن بنك التسويات الدولية (BIS) تحت رقم 71 وبعنوان Les finances des banques centrales تشير صراحة الى تحفظات عدة بخصوص استعمال عوائد الـ seigneuriage المستقبلية في اطفاء الاعباء والخسارات التي قد تتراكم. منها امكانية خسارة المصرف المركزي احتكار إصدار الأوراق النقدية (1) بتفشي الدولرة و(2) برواج النقود الالكترونية المرقمة و(3) بانحسار عوائد سك وطباعة الاوراق النقدية بعد الوصول إلى حد أقصى تبدأ بعده هذه العوائد بالانخفاض ويستمر التضخم بالارتفاع وفقاً لمنحنى Laffer وهذا ما حصل في البيرو حيث انفجر التضخم، في مرحلة معينة من تمويل الخسائر المدورة عن طريق خلق النقد ووصل إلى 7000% في عام 1990.
ان مصرف لبنان في ظل ولاية سلامه لم يلتزم، في التعاطي مع الخسارات المحققة، بمنحى المصرف المركزي الذي استشهد به، اي المصرف المركزي الاوروبي والذي ينضوي تحت جناحيه 27 مصرفاً مركزياً اوروبياً. فقد عمم المصرف المركزي الاوروبي على الاخيرة قراراً رقمه 1009/2000 صادر في 8 ايار 2000. ودعاها صراحة كما يشير «تقرير توحيد المعايير» لعام 2012 الى «تجنب أي موقف يكون فيه رأس مال اي مصرف مركزي منها أقل من المستوى المحدد قانوناً أو حتى سلبياً، لفترة طويلة، بما في ذلك الحالة التي يتم فيها ترحيل الخسائر التي تتجاوز مستوى رأس المال والاحتياطيات». وهو امر لم يلتزم به مصرف لبنان بل راكم بخفية عن المسؤولين والجمهور خسارات تفوق بكثير امواله الخاصة وتقدر بعشرات مليارات الدولارات حسب تقرير Alvarez & Marsal.
Qu’il convient d’éviter toute situation dans laquelle le capital
de la BCN ( Banque Centrale Nationale) serait inférieur au
niveau de son capital statutaire, voire négatif, pendant une
période prolongée, y compris dans le cas où les pertes
dépassant le niveau du capital et les réserves sont reportées.
Pareille situation pourrait nuire à la capacité de la BCN
d’exercer non seulement ses missions liées au SEBC ( Système européen de banques centrales ) mais également ses missions nationales.
Le rapport Mai 2012 de la BCE ( Banque Centrale Européenne) sur la convergence
ان استئناس الحاكم سلامه في بيانه بما اعتمده المصرف المركزي الاوروبي من وضع معايير منفصلة عن المعايير الدولية للتقارير المالية IFRS المعدة أصلا للكيانات التجارية لا المصارف المركزية امر قابل للنقاش.
فمجلس ادارة المصرف المركزي الاوروبي مكلف بنص صريح بمقتضى الفقرتين (3) و(4) من المادة 26 من بروتوكول النظام الأساسي للنظام الأوروبي للبنوك المركزية بوضع المبادئ التي يقتضي بموجبها اعداد الحسابات السنوية والبيانات واستطراداً حسابات وبيانات المصارف المركزية للدول الاعضاء، على هديها. وقراراته تخضع لرقابة ديوان المحاسبة الاوروبي.
ولا يوجد تكليف مماثل للمجلس المركزي لمصرف لبنان باعتماد قواعد حسابية وبيانية تتمايز او تخالف ما ورد في المادة 13 نقد وتسليف من «تنظيم مصرف لبنان لحساباته وفقاً للقواعد التجارية والمصرفية والعرف التجاري والمصرفي».
وكان المطلوب ان يسعى مصرف لبنان لاستصدار تفويض مناسب على النحو الذي حصل مع المصرف المركزي الاوروبي لاعتماد استثناءات محدودة من تطبيق الـ IFRS كما فعل العديد من الدول، وتحت رقابة مرجعية معينة كما هو الامر في اوروبا، حتى لا تأتي الاستثناءات للتمويه في الحسابات ولتغيير الحقيقة المالية والاقتصادية للمصرف حسب ورقة العمل رقم 71 التي استند اليها الحاكم سلامه في بيانه.
والذي حصل ان المجلس المركزي لمصرف لبنان أقر في 11 نيسان 2018 معايير محاسبية خاصة لاعداد البيانات المالية للمصرف، وفوض الحاكم بتحديد قيم بعض الاصول على وجه غير مألوف في ادارة المصارف المركزية، وكان الامر من جملة الامور التي تم التوقف عندها في تقرير Alvarez & Marsal للكلام عن ضمور دور المجلس المركزي وتحكم الحاكم بشكل مطلق بالقرارات.
اوراق عمل عدة تعرضت الى الخطر باطلاق الحرية للمصرف المركزي في تحديد الاطر والقواعد المحاسبية وقواعد الافصاح. فكيف اذا كانت هناك هيمنة من قبل شخص واحد هو الحاكم على هذه الامور؟ وقد ظهر من تقرير Alvarez & Marsal ان هذا الامر حمل مخاطر جمة لم تتوقف عند تمويه تراكم الخسارات واحداث فقاعة في الاسعار بل وايضاً بتظهير ارباح صورية كان نصيب الخزينة منها ثابتاً لعدد من السنين (على نحو يثير الاستغراب) ومحدداً بـ 40 مليون دولار سنويا. وخلص التقرير الى ان التعاطي غير السوي بموضوع le seigneuriage كان من الاسباب الرئيسة للأزمة وانهيار الليرة.
لجنة تحقيق نيابية
المجلس النيابي جانب في جلسته المنعقدة في 17 تشرين الأول 2017 موضوع عمليات مصرف لبنان عندما اعلن النائب جورج عدوان «ان تصرّف الاخير بالمال العام يجري بلا رقابة أو محاسبة وعلاقاته هي أكبر من أن يتخطّاها أحد»، منهياً كلامه بمطالبة وزير المال باطلاع مجلس النواب، بتقرير مفصل، على أرباح مصرف لبنان منذ 20 سنة موضحاً انه سيتقدم بطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بالأمر».
كلام رد عليه بسرعة الحاكم سلامه، وكان آنذاك في الولايات المتحدة، بالقول انه «لم تمض سنة من السنوات الـ20 لم يُقْدم فيها المصرف المركزي على قطع الحساب السنوي والتقدم به إلى وزارة المال، ودفع ما يتوجب عليه أن يدفعه ضمن القانون، وأن حسابات مصرف لبنان خاضعة للتدقيق من قبل شركتين دوليتين خارجيتين لا علاقة لهما بمصرف لبنان ( من دون الاشارة بالطبع الى ان تعيينهما يعود لاكثر من 20 سنة ما يناقض مبدأ المداورة الذي تقتضيه مصداقية عمليات التدقيق)»، كلام ايده وزير المالية علي حسن خليل بالقول ان الوزارة تتلقى دورياً قطع حساب من مصرف لبنان وان كلام عدوان لا ينطبق على الواقع.
وقد انتهت الامور بدعوة الرئيس سعد الحريري النائب عدوان الى المشي سوية باتجاه بيت الوسط حيث فاتحه على الطريق «بأن المس بمصرف لبنان على الهواء وامام الرأي العام امر خطر ويؤثر سلباً على الاستقرار النقدي للبلاد، ومن المحبذ التشاور في هذه المسألة سراً حفاظاً على المصلحة العامة واستقرار البلاد النقدي…» وانتهت الامور عند هذا الحد…..!!!
مدير الشؤون القانونية في مصرف لبنان
وكان سلامه قد سأل شفاهة عام 2003 مدير الشؤون القانونية في مصرف لبنان عن استهلاك المصرف لخسائر لحقت به نتيجة اصداره سندات وشهادات ايداع بالعملات الاجنبية بعد مؤتمر باريس 2، فاجابه الاخير بصورة خطية ومباشرة في 7 تموز 2003 بان «لا شيء يمنع من قيد الخسائر المتراكمة الممكن ان تصيب الاموال الخاصة لمصرف لبنان في حساب خاص يجري اطفاؤه من ارباح مستقبلية». واقترح ان يتم الامر من خلال حساب تقيد فيه الارباح المتأتية بعد تنزيل كلفة طباعة الاوراق النقدية من القيمة الاسمية لهذه الاوراق عند وضعها في التداول، وتقتطع منه الاعباء المالية التي يتحملها مصرف لبنان من اصدار شهادات الايداع وغيرها.
وقد استند سلامه الى جواب مدير الشؤون القانونية عام 2003 واجوبة اخرى لاحقة ومؤكدة لمضمونه، لتجاوز التحفظات المعروضة اعلاه والطلب من مديرية المحاسبة باطفاء اعباء شهادات الايداع المصدرة من رصيد حساب الـ seigneuriage مع تمديد فترة استهلاك الاعباء لاكثر من ثلاثة عقود حتى عام 2037، وتمددت الاخيرة لعقود اخرى لاحقة مع اصدارات شهادات ايداع تالية وغيرها.
ان رأي مدير الشؤون القانونية يخالف بوضوح احكام المادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تنص على أنه « إذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تغطى الخسارة من الإحتياطي العام، وعند عدم وجود هذا الإحتياطي أو عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة». ما يعني ضرورة عرض اية خسارة لا يغطيها الاحتياطي العام، خصوصاً اذا استغرقت راس مال مصرف لبنان وامواله الخاصة، على وزارة المالية لطرح الامر على مجلس الوزراء توطئة لعرضه على مجلس النواب حتى يقرر الاخير المناسب. فالمجلس النيابي هو المرجع بالبت باي امر يتعلق بتنفيذ الامتياز الممنوح لمصرف لبنان بمقتضى المادة 10 نقد وتسليف وامامه يتعين على القيمين على مصرف لبنان تأدية الحساب عن كيفية تنفيذهم لشروط هذا الامتياز. كما يبقى المجلس النيابي الممثل الدستوري الوحيد لمصالح المواطنين الذين سيتحملون بالنهاية اعباء سياسات وخسارات مصرف لبنان ونتائجها، ويكون لهؤلاء المواطنين الحق ايضاً بمعرفة الحقائق المالية عن مصرفهم المركزي لتاثير ذلك على مستوى الاسعار التي يتعاملون بها.
أيضاً وتقنياً لا يستطيع مدير الشؤون القانونية اعطاء اي رأي مخالف للنص الصريح للمادة 113 عملاً بالقاعدة الفقهية التي تقول «لا اجتهاد بوجود النص»، وايضاً عملاً بالقاعدة القانونية المعمول بها في القضاء سواء الوطني او الاجنبي ومضمونها «ان النص القانوني يعلو على اي عرف». و»عندما يكون النص واضحاً، فلا مجال إلا لتطبيقه لا لتفسيره، والنص الغامض وحده هو الذي يتطلب التفسير اولاً ثم التطبيق ثانياً».
مسؤولية الحاكم سلامه
بالنسبة للحاكم سلامه، نص المادة 113 واضح وصريح وليس بحاجة لاي تفسير وتجاوزه يشكل خطأً فادحاً وحنثاً بما اقسم عليه امام رئيس الجمهورية عملاً بالفقرة الاخيرة من المادة 18 نقد وتسليف بان يحترم القانون ويلتزم بمقتضيات الشرف. والاخيرة تقضي بنشر ميزانيات شفافة تعكس حقيقة الواقع ولا تخفى وتموه فيها على المواطن العادي خسارات جسيمة ارتؤي باجتهاد شخصي انه بالامكان معاوضتها بأرباح مؤجلة وغير مؤكدة ولعقود، مع اعلان مستمر امام السلطات السياسية والشعب بان الليرة بخير بهدف الدفع لتحفيز مستمر في النمو الاقتصادي بشكل غير سوي من خلال تراكم الخسائر وزيادة الديون والتوسيع المضطرد لدائرة الـ seigneuriage بحيث تطال ادوات وعمليات يجريها بهدف تأمين الاستقرار النقدي والاستفادة لاحقاً من العوائد المستقبلية لهذا الاستقرار في اطفاء الاعباء والخسائر المرتبطة بتحقيقه بعد تصنيفها على انها موجودات. والامر الاخير انتقدته صحيفة الـ Financial Times في 21 تموز 2020 معتبرة اياه من قبيل «الأساليب المحاسبية غير التقليدية».
في هذا المضمار يذكر ان معيار مساءلة القيمين على شؤون المصرف مركزي قد حدده القرار الصادر بتاريخ 13 ايلول 2022 عن محكمة العدل الاوروبية بقضية رفعت ضد المصرف المركزي السلوفيني Banka Slovenje والقيمين عليه وهو «الانحراف الخطير في اداء المسؤولين عن مقتضيات الحيطة والحذر».
Une banque centrale est tenue responsable lorsqu’elle-même ou les personnes qu’elle a habilitées à agir en son nom ont agi en méconnaissance grave de leur obligation de diligence.
بيان الدكتور منصوري
يذكر بيان الدكتور منصوري ان التعديل المجرى على بيان وضع الموجز قد تم التزاماً بالمعايير المحاسبية الدولية والأعراف والممارسات الفضلى، ومنها الصادرة مؤخراً في شباط 2023 في ورقة عمل رقم 68 نشرها بنك التسويات الدولية تحت عنوان لماذا تعلن البنوك المركزية عن خسائرها؟ وهل مهم هذا الامر؟
Why are central banks reporting losses? Does it matter?
واشير في ورقة العمل هذه الى أن الخسائر والأموال الخاصة السلبية للمصارف المركزية يمكن تسجيلها كخسائر محققة وغير محققة في السنة الحالية والسنوات اللاحقة، على غرار المعايير التي اتبعت مؤخراً من قبل العديد من المصارف المركزية عالمياً.
تعليقا على ذلك يشار بداية الى ان الصفحة الاولى من ورقة العمل رقم 68 تذكر بوضوح ان وجهات النظر الواردة فيها تعبرعن رأي محرري الورقة وليس بالضرورة وجهة نظر بنك التسويات الدولية. وهي، اي ورقة العمل رقم 68، صحيح انها تشير الى حالات تعرضت فيها مصارف مركزية لخسارات استغرقت اموالها الخاصة لسنوات كما حصل في التشيلي( 25) سنة، وتشيكيا (15) سنة، وإسرائيل، واستمرت هذه المصارف بتحقيق اهدافها بالحفاظ على الاستقرار المالي واستقرار الأسعار لاسباب متعددة اهمها انها تمتلك كمصارف مركزية بعض الأصول غير الملموسة مثل قيمة الامتياز (الحق الاحتكاري) في اصدار النقد القانوني وعدم امكانية اعلان افلاسها او تصفيتها. وهي لا تتوخى الربح مما يسمح لها بان تسجل في ميزانياتها العمومية التزامات بقيمة أكبر من قيمة أصولها ولا تلزم بحدود دنيا من متطلبات رأس المال وغيره… الا انها، اي ورقة العمل رقم 68، تذكر ايضا ان استمرار المصرف المركزي براسمأل سلبي وبخسارات متراكمة قد ادى مع ضمور الموارد الكافية إلى تآكل مكانة المصرف المركزي وانهيار العملة وباتت خسائره مستوطنة ومدمرة endemic and disruptive حسب تعبير ورقة العمل 68 وهذه هي بالتمام الحالة اللبنانية.
ايضاً فان الاستئناس بورقة العمل 68 حصل بطريقة انتقائية. اذ لم يتضمن بيان وضع الموجز المؤرخ 31 كانون الاول 2023 شرحاً كافياً وواضحاً لأسباب الخسائر كما لمضمون المكاسب من التعديلات المجراة على البيان، كما تدعو اليه ورقة العمل 68 في خلاصتها. واقتصر بيان منصوري على التلميح الى ايجابية تظهير التمايز بين خسارات محققة وخسارات مؤجلة في باب الموجودات في بيان الوضع الموجز. علماً ان توجهات صندوق النقد الدولي واضحة في عدم جواز تسجيل خسائر المصرف المركزي كأصل مؤجل أو غير ممول في ميزانية الاخير ووردت في الدراسة التالية المعنونة:
Central Bank Losses and Experiences in Selected Countries
From an accounting standards viewpoint, and notwithstanding central bank practices in some countries, net losses should not be shown as a deferred or unfunded asset in the balance sheet of a central bank. This is because such treatment does not mirror the underlying economic reality for the central bank, nor does it meet the asset recognition criteria established in accounting standards. In this latter regard, an asset should only be recognized on the balance sheet once action has been taken to cover the losses or negative net worth.”
تسليفات مصرف لبنان للقطاع العام
الشروحات المرفقة ببيان الوضع الموجز تذكر ان التسليفات للقطاع العام تتضمن تسهيلات لوزارة المالية استناداً الى المادتين 85 و97 من قانون النقد والتسليف… وان مصرف لبنان قام منذ نهاية العام 2007 بتسديد مدفوعات عن الدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية من احتياطياته وذلك ريثما تقوم الدولة بسداد هذه المبالغ بالعملة الأجنبية لاحقاً.
ومن الرجوع الى المادتين المذكورتين يتبين انهما تطالبان مصرف لبنان الاولى (اي المادة 85) بدفع المال وتحويل الاموال التي يأمر بدفعها وصرفها القطاع العام حتى قيمة موجودات هذا الاخير لديه. مع امكانية اقراض القطاع العام في الحالات المنصوص عليها بالمواد 88 و91 و92 شرط مراعاة المادة 95 اي تنظيم عقد اقتراض بين الدولة ومصرف لبنان يوافق عليه مجلس النواب. والامر الاخير لم يحصل ابداً طوال ولاية سلامه، والثانية (اي المادة 97) تطالبه بان يدفع دون نفقة او عمولة فوائد قروض القطاع العام وايفاء اقساطها المستحقة من المؤونات التي تكون قد اودعت لديه قبل الاستحقاق بعشرة ايام على الاقل.
ما يعني ان المبالغ التي دفعها مصرف لبنان بالعملة الاجنبية تسديداً لمدفوعات على الدولة حصلت من دون اي سند شرعي وخلافاً للاصول، ولا يجوز بالتالي تسجيلها في باب الموجودات على انها اصول مؤجلة، ففي هذا تمويه للواقع.
وكان من المفترض اطلاق المنازعات الادارية والقضائية بشأن المدفوعات التي حصلت من خارج اطار القانون بدلا من ان يترك زمام الامر في ذلك الى مبادرة عدد من المصارف اللبنانية، مع وجود امكانية لاثارة دور ومسؤولية هذه الاخيرة وغيرها من المصارف ايضاً بالامر، وتدوين قيمة هذه المدفوعات خارج ميزانية مصرف لبنان لحين البت بنتائج المنازعات. فاذا تبينت استحالة استردادها تسجلت عندها من ضمن الخسائر المحققة بدلاً من الاستمرار بالتمويه عليها محاسبياً بادراجها ضمن «موجودات اخرى مؤجلة «.