عندما قرّر نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة (وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان) الكشف عن موقفهم الرافض لممارسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في سنوات الأزمة الأربع الماضية، انبرت حملة ضدّهم اتّهمتهم بالتهرب من المسؤولية التي أقسموا اليمين على تولّيها. لكنّ الوقائع الأكيدة تثبت بما لا يرقى إليه شكّ، بأنهم حاولوا دفع الحكومة ورياض سلامة أكثر من مرّة إلى وقف تبديد السيولة بالدولار المسماة احتياطيات إلزامية، من دون أن ينجحوا لأن قانون النقد والتسليف منح الحاكم صلاحيات تتيح له اتخاذ القرارات منفرداً. بالعكس، كانت القوى السياسية هي التي أنكرت الأزمة، وعجزت أو تقاعست عن اتخاذ قرار واحد لمقاربتها ومعالجتها، بل قرّرت من خلال سلامة وقراراته التي جرت التغطية عليها في مجلسي النواب والوزراء، الاستمرار في عملية شراء الوقت والترقيع حتى بلغت مستويات قياسية.
الوثيقة التي تنشرها «الأخبار»، هي عبارة عن مراسلة تحذيرية موجّهة من نواب الحاكم الأربعة إلى وزير المالية يوسف الخليل بواسطة رياض سلامة، وهي ليست الأولى، وهذا نصها:
«بيروت في 15 شباط 2022
معالي وزير المالية
الدكتور يوسف خليل المحترم
كتاب مُوجّه إلى الحكومة اللبنانية من خلال معاليكم من نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة بواسطة سعادة الحاكم
الموضوع: التوظيفات الإلزامية وحقوق السحب الخاصة
عطفاً على الموضوع أعلاه،
نُشير إلى معاليكم إلى أن المجلس المركزي لمصرف لبنان، ومنذ تاريخ اكتمال تعيينه في 10 حزيران 2020، ومنذ الجلسات الأولى له، حذّر الحكومة اللبنانية من خطورة استخدام احتياطيات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية لما سُمّي آنذاك بسياسة الدعم. وهذه السياسة استنفدت جزءاً كبيراً من الأموال التي تُشكل خطّ الدفاع الأخير للحفاظ على الأمن الاجتماعي والاقتصادي والمالي والنقدي.
ولذلك، أرسل المجلس المركزي مجموعة من المُراسلات للحكومة اللبنانية بواسطة معالي وزير المالية آنذاك بالموضوع، ولكن للأسف بقيت هذه الكتب والمراسلات من دون إجابة، واستمرت سياسة الصرف غير المقبول من قبل مصرف لبنان جملة وتفصيلاً وتحت أي مُسمى أو ذريعة.
ولإيماننا بأن سياسة الدعم هذه تمثّل هدراً لاحتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، قرّر المجلس المركزي في شهر شباط 2021 طلب رفع السرية المصرفية عن كامل ملفات الدعم، لإجراء التحقيقات اللازمة لمحاسبة كل متورط في هدر هذه الأموال.
وبعد ذلك صدر بتاريخ 22/7/2021 القانون رالقم 240 المتعلّق بإجراء التدقيق في ملفات الدعم، وأرسل المجلس المركزي كتاباً لمعالي وزير المالية للبدء بتنفيذ هذا القانون ضمن الآليات التي نصّ عليها ولم يتم هذا الأمر حتى اليوم.
وخلال هذه الفترة أيضاً، وبإلاضافة الى كل التدابير التي قام بها المجلس المركزي للمهام والموجبات الملقاة على عاتقه، أصدر مجموعة من التعاميم التي ترمي إلى زيادة نسب الملاءة والسيولة في القطاع المصرفي (التعميم الرقم 154) والذي سعى أيضاً من خلاله إلى إعادة جزء من الأموال المحوّلة إلى الخارج. ومن بعدها أصدر التعميم 158 بهدف إعادة الودائع تدريجياً للمودعين بالعملات الأجنبية بشكل عام، وتسديد رصيد الحساب لحوالى 70% من المودعين أو ما يجاوز 800 ألف مودع في الحسابات الصغيرة بشكل خاص. علماً أن منطلق هذا التعميم، هو موقف المجلس المركزي على أن أي صرف للعملات الأجنبية من التوظيفات الإلزامية، وبغياب خطة حكومية شاملة تسمح بوضع سياسة إنقاذية شاملة، يجب أن يعود مباشرة للمودعين، وليس لدعم السلع وتأمين حاجات الدولة من العملات الأجنبية.
ومع استمرار الضغوطات السياسية واستنزاف احتياطيات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، كنّا كأعضاء المجلس المركزي، نؤكّد في كل جلسة من جلساته من دون استثناء، ولمدّة تفوق 18 شهراً حتى تاريخه، على عدم المس بالتوظيفات الإلزامية للمصارف لدى مصرف لبنان، لما في ذلك من مسؤولية وطنية وقانونية، كما أكّدنا مراراً وتكراراً في كل جلساتنا على ضرورة عدم المسّ بحقوق السحب الخاصة، إلا بعد توقيع بروتوكول صرف مع وزارة المالية.
وكان الحاكم قد قدّم لنا كأعضاء المجلس المركزي، دراسات من قبل مديريات المصرف المركزي حول مستوى التوظيفات الإلزامية، ما قد يتيح له متابعة تلبية طلبات السياسات الحكومية، وكنا قد رفضنا في العديد من جلسات المجلس منذ شهر نيسان 2021 هذه الدراسات بالشكل والمضمون، لعدم موافقتنا على مبادئ تحليلها. وبالرغم من اختلاف الرأي وتأكيدنا المتكرّر على عدم المس بالتوظيفات الإلزامية، استمرّت الطلبات الحكومية والتي كان الحاكم يوافق مضطراً على تلبيتها ولا يزال.
وبناءً على عدم موافقتنا على الدراسات المقدّمة من قبل مديريات المصرف ونتائجها كما أشرنا، وبالنظر إلى الأرقام الأخيرة التي توصّلنا إليها من خلال دراساتنا ومراجعتنا لميزانية مصرف لبنان وتحليل مستوى التوظيفات الإلزامية، يتبين أن الأرصدة المتوفّرة المصرّح عنها بالعملات الأجنبية تدنّت عن مستوى التوظيفات الإلزامية بحسب ما تظهره أرقامنا.
أمام هذا الواقع ونظراً إلى أن قانون النقد والتسليف يحدّد مهام نواب الحاكم في مادتين، الأولى هي المادة 18 والتي تفرض على نائب الحاكم ممارسة المهام التي يكلفه بها الحاكم، والثانية هي المادة 33 كأعضاء في المجلس المركزي.
وبالرجوع الى المادة 33 وسائر مواد قانون النقد والتسليف، يتبدّى لنا بشكل واضح أن لنواب الحاكم سلطة تقريرية فقط بصفتهم أعضاء في المجلس المركزي، يضعون السياسة النقدية والتسليفية للمصرف، وتبقى السلطة التنفيذية وسائر المهام والصلاحيات في يد الحاكم.
وبما أن قانون النقد والتسليف لا يعطي نواب الحاكم أي صلاحيات أو وسائل لفرض وجهة نظرهم أو إلزام الحاكم باتّباع نظرتهم المحاسبية لمستوى التوظيفات الإلزامية، نرفع لكم الموضوع بواسطة سعادة الحاكم ومن خلالكم إلى مجلس الوزراء، لنعلمكم أن أية طلبات موجّهة إلى مصرف لبنان للدفع بالعملات الأجنبية، ولأي سبب كان، ومهما كان مبرّراً، وتحت أي سند قانوني، يتم بحسب دراستنا، من التوظيفات الإلزامية للمصارف لدى مصرف لبنان ومن حقوق السحب الخاصة، الأمر الذي يخالف القانون وقرارات المجلس المركزي المانعة لذلك.
وتفضّلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
نائب الحاكم الأول وسيم منصوري
نائب الحاكم الثاني بشير يقظان
نائب الحاكم الثالث سليم شاهين
نائب الحاكم الرابع ألكسندر مراديان»