يستمر تردي واقع الخدمات في لبنان، فالدولة تبدو عاجزة بسبب رغبتها بعدم إجراء إصلاحات جذرية في مختلف القطاعات التي ينخرها الفساد والصفقات، عن إدارة شؤون البلد بما يسمح بتقديم الخدمات للمواطنين، رغم أن الشعب اللبناني بأغلبيته يدفع ما عليه من رسوم.
في شهر شباط الماضي قدّم احد المواطنين طلباً للحصول على جواز سفر لإبنه، وبعد 4 أشهر تبلغ المواطن بأنّ الطلب تم تجميده لأن قراراً جديداً صدر في شهر حزيران يتعلق بتقديم مستندات جواز السفر، وبالتالي بعد 4 أشهر من الانتظار أصبح على المواطن تقديم طلب جديد مع دفع الأموال مرة أخرى، على أن تُستعاد أموال الطلب الأول بعد فترة.
هذه عيّنة من الواقع السيّء لقطاع الخدمات في لبنان، ففي النافعة على سبيل المثال حَدِّث ولا حرج، والانتظار سيد الموقف، الى جانب كل ما يُشاع عن عودة الفساد الى هذا القطاع المظلم، كذلك الحال في الدوائر العقاريّة التي تعاني منذ أشهر من صعوبات بالعمل جراء الملاحقات التي حصلت والتي لم تنتهِ بصورة إيجابية في أغلب الأحيان.
منذ أشهر أوحت الحكومة للبنانيين بأنّ خدمات الطاقة والهاتف لن تستمر ما لم يُصار الى زيادة التعرفة، وبالفعل نجحت برفع التعرفة بنسب كبيرة، ولكن ما حصل هو أنّ الخدمات لم تتحسن، فالهاتف الخلوي لا يزال يعاني من ضعف وانقطاع الإشارة في كثير من المناطق، مع تردٍّ بخدمة الانترنت، رغم رفع الفواتير، وفي الكهرباء فإنّ الواقع أشد قساوة.
منذ أسبوعين تلقى اللبنانيون خبراً مفرحاً بخصوص زيادة التغذية الكهربائيّة حوالي ساعتين في اليوم، ولكن المفاجأة الاكبر كانت منذ أيام عندما عمّ السواد والظلام معظم المناطق اللبنانية بحجة عدم توفّر الفيول بسبب أزمة ماليّة بين لبنان والعراق.
بحسب مصادر متابعة فإنّ المشكلة حصلت بسبب تأخُّر تفريغ شحنات الغاز أويل المستَبدَل من الفيول العراقي، لأنّ الحكومة العراقيّة فقدت الثقة بقدرة لبنان على دفع المستحقّات المترتبة على الاتفاقيات الموقعة بين لبنان والعراق منذ العام 2021، فسارع المعنيّون بقطاع الطاقة الى رمي المسؤولية عند مصرف لبنان واتهامه بأنه يرفض تحويل الليرات في حساب المؤسسة الى دولارات، ولكن أين اموال الفواتير المرتفعة التي يدفعها المواطنون للحصول على 4 ساعات كهرباء باليوم؟.
من المعروف أنّ مصرف لبنان كان يقدّم لمؤسسة كهرباء لبنان سلف الخزينة لدفع ثمن الفيول، وكانت تخرج من المصرف ومن حساب خزينة الدولة ولا تعود إليها مطلقاً، وبحسب المصادر هناك من يرغب باستمرار هذا الواقع بدل أن تتحمل المؤسسة المذكورة تأمين الأموال من حسابها، كما أنّ الأموال داخل حساب المؤسّسة لدى مصرف لبنان لا تكفي لدفع التكاليف المطلوبة، لذلك يصبح بحسب المصادر السؤال مشروعاً حول مصير أموال اللبنانيين التي تدفع للكهرباء، كما مصير أموالهم التي تدفع لكل الخدمات في لبنان.
لن تستقيم كهرباء لبنان بظلّ استمرار النهج السابق على ما هو عليه، فها هي الفواتير ارتفعت، وفي مرحلة كانت تُدفع على دولار 100 ألف ليرة بينما سعر الدولار في السوق السوداء 90 ألفاً، ورغم ذلك عدنا الى العتمة، وأيّ حلول لا تنطلق من إصلاحات جذريّة بهذا القطاع لن تكون سوى تمريراً للوقت بانتظار عتمة اخرى، فلولا العراق لكان الظلام الدامس سيطر على لبنان منذ العام 2021.