من يتحمّل عبء خفض العجز؟

 

انطلقت أمس ورشة مناقشة الموازنة، على وقع اعتراضات مطلبية بدأت أمس مع اعتصامات العسكريين المتقاعدين، وتستكمل بإضراب لثلاثة أيام، دعا إليه الاتحاد العمالي العام بدءا من الغد. وبالرغم من الهدوء الذي اتسمت به جلسة مجلس الوزراء أمس، إلا أن ما رشح عن المداولات، أوحى بتباينات كبيرة في كيفية مقاربة مسألة خفض العجز، في ظل استمرار «حزب المصارف» في الحكومة في حمايتها من المساهمة في أي تصحيح مالي. السؤال المركزي لا يزال هو نفسه: من يتحمّل عبء تخفيض العجز؟

قدّم وزير المالية علي حسن خليل، إلى مجلس الوزراء أمس، تقريراً بأبرز بنود مشروع موازنة عام 2019، مبدياً انفتاحه على كل الاقتراحات. فكان أن كشف عن «سرّ» انخفاض كلفة الدَّين العام عن المتوقع. وأشار إلى أنه بنى أرقامه على إجراءات اتفق عليها مع مصرف لبنان للاكتتاب بسندات الخزينة بقيمة 12 ألف مليار ليرة على 10 سنوات، بفائدة واحد في المئة.

وسيؤدي هذا الإجراء، بحسب مشروع الموازنة، إلى انخفاض كلفة خدمة الدَّين في عام 2019 من 9700 مليار ليرة إلى 8312 مليار ليرة، أي ما يعادل 1388 ملياراً (925 مليون دولار). وبذلك تكون كلفة خدمة الدَّين قد ارتفعت 98 مليار ليرة فقط عن كلفتها في عام 2018 (8214 مليار ليرة).

وبالرغم من أن هذه الخطوة ستُسهم في خفض العجز، إلا أن ربطها بما سبق أن أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في اللقاء الشهري مع لجنة الرقابة على المصارف ومجلس إدارة جمعية المصارف، سيعني أن من سيكتتب بالسندات هو مصرف لبنان، لا المصارف. فقد أعلن سلامة حينها أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري، أكّد له أنه لن يكون هناك أي زيادة ضريبية على المصارف في موازنة عام 2019، وأنّ المصارف لن تُجبر على الاكتتاب بسندات خزينة بفائدة منخفضة. مع ذلك، يبدو أن الإجراء الذي تطرق له خليل يعطي مصرف لبنان هامشاً للاتفاق مع المصارف للاكتتاب طوعياً بهذه السندات. وإذا لم يتحقق ذلك، فلن يكون أمام «المركزي» سوى طبع المزيد من الأوراق النقدية، لتغطية حجم الاكتتاب، مع ما يسببه ذلك من تضخم في السوق.

وكانت الجلسة، التي عقدت في القصر الجمهوري، قد بدأت بمداخلة من رئيس الجمهورية ميشال عون، شدد فيها على ضرورة إقرار موازنة جدية وبسرعة، واضعاً لها أربعة أهداف:

– تحفيز الاقتصاد.

– لا تؤثر سلباً على الناس.

– تشمل الإصلاحات كل أبواب الإنفاق.

– تعكس توجهات الدولة وسياساتها المستقبلية.

ودعا إلى «إعادة النظر بهيكلية الإدارات والمؤسسات التي باتت ضرورية لمواكبة التطور التقني والمعلوماتي، إضافة إلى التوصيف الوطني والإسراع في مكننة إدارات الدولة».

أما رئيس الحكومة سعد الحريري، فاعتبر في مداخلته أن أرقام الموازنة لناحية خفض العجز غير كافية. وأشار إلى أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في طريقة الإنفاق نفسها، محدداً مشاكل البلد بثلاثة أبواب، هي الرواتب والأجور، دعم الكهرباء، وخدمة الدَّين.

وقدم خليل عرضاً بشأن الرواتب ومعاشات التقاعد. ولكي يبيّن ضخامة كلفة معاشات التقاعد، قارنها برواتب الموظفين الحاليين من دون احتساب التعويضات المختلفة والساعات الإضافية وكلفة النقل والنقل المؤقت. وخلص إلى أنها تشكّل 72 في المئة من إجمالي ما يدفع في بند الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد. وأوضح خليل أنه أنجز عمله في ما يتعلق بقطع الحساب، وأحال قطوعات حسابات السنوات الماضية على الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبالتالي لم يعد له علاقة بالأمر.

أما في موضوع الأملاك البحرية، فقال إنه يوجد 1068 مخالفة، وإن القانون الذي أقر وبدأ تطبيقه في عام 2018 ستبدأ مفاعيله بالظهور في واردات هذا العام. هو عاد وأوضح بعد الجلسة أنه «يمكن الأملاك البحرية تأمين نحو 1500 مليار، لكن هذا الأمر لا يمكن حصوله في سنة. وقال إنه عند وضع القانون كانت الفترة خمس سنوات، وبسبب تأخر إصدار المراسيم التطبيقية لم نستفد في عام 2018، لذلك حددنا الحد الأدنى للواردات المتوقعة بـ150 إلى 220 مليار ليرة.

وفي الملخص الذي قدّمه عن الموازنة، اقترح أن تكون هناك إعادة نظر بموضوع التدبير رقم 3 للعسكريين، فصفق له عدد من الوزراء على هذا الأمر. وبادر خليل إلى القول إنه جاهز كوزير للمال على إعداد السيناريوهات المالية اللازمة لمعرفة قيمة اقتطاع نسبة على الرواتب والأجور في القطاع العام ضمن الشطور المطروحة، إلا أنه أشار أيضاً إلى أن موقفه السياسي يعترض على المسّ بالرواتب والأجور. وسجّل خليل موقفاً على اعتراضات وزير الدفاع الياس بو صعب على المسّ برواتب العسكريين، مشيراً إلى أنه تحدث علناً عن الموضوع قبل مناقشته في مجلس الوزراء، فأجابه بو صعب بأن الاعتراض جاء بعدما أدرج خليل في مشروع الموازنة بنوداً تطاول العسكريين من دون التشاور معه، لكونه الوزير المعني بهذا الأمر.

وتحدث نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني، فأشار إلى وجوب إجراء خصخصة جزئية لبعض القطاعات، داعياً إلى وضع سقف للاقتراض وإشراك القطاع الخاص بمعالجة مشكلة الدَّين وخدمته. أما الوزير سليم جريصاتي، فطالب بقطع الحساب من عام 1993 إلى اليوم. وتحدّث عن أخطاء في أرقام سلسلة الرتب يجب تصحيحها. وطالب بأن تكون موازنة 2019 تحفيزية للاقتصاد، وأن تُسهم في التأثير بعجز الحساب الجاري (التعاملات مع الخارج). كذلك دعا إلى: حماية الإنتاج الوطني، فرض رقابة مشددة على كلفة الاستثمارات العامة، وضع قانون لاستعادة الأموال المنهوبة، معالجة مشكلة اللامساواة بين المكلّف الملتزم تطبيق الضريبة وبين غير الملتزم (عدم الاستمرار في نهج الإعفاءات)، زيادة الرسوم على إشغال الأملاك العامة البحرية، إلغاء المؤسسات والمجالس والصناديق غير المنتجة، اعتماد الضريبة التصاعدية على الدخل والأرباح، زيادة التقديمات الاجتماعية، إقرار قانون ضمان الشيخوخة، تطبيق قانون التوصيف الوظيفي.

هل يُقرِض مصرف لبنان الدولة 12 ألف مليار ليرة بفائدة واحد في المئة؟

من جهته، طالب الوزير محمد فنيش بأن تتضمن الموازنة مقاربة اقتصادية شاملة، وألّا تشمل الإجراءات عدداً كبيراً من المتضررين. واعتبر أن ثمة 3 حلقات في الموازنة تحتاج إلى تصحيح، هي دعم الكهرباء وكلفة الرواتب وكلفة خدمة الدَّين العام. وشدد فنيش على ضرورة المواءمة بين السياسات النقدية والمالية. وتساءل: أين أرباح المصرف المركزي؟ إذ إن القانون يفرض أن يحول 80 في المئة من أرباحه إلى الخزينة العامة، فيما هو في الواقع لا يحوّل سوى 60 مليار ليرة. كذلك، طالب باعتماد الشفافية في التلزيمات ودرس أوضاع المرفأ والريجي وأوجيرو. ودعا أيضاً إلى تزويد مجلس الوزراء بنتائج المالية العامة للأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة وبكل أرقام سنة 2018.

الوزير عادل أفيوني ذهب إلى الدعوة إلى إقرار موازنة استثنائية ترفع النمو الاقتصادي وتخفّض العجز المالي، لكنه طالب أيضاً بأن تؤمّن الحماية للقطاع الخاص والمصارف والبنك المركزي.

في المقابل، تحدّث الوزير كميل بو سليمان، وهو كان محامياً لشركات تتعامل مع الدولة في إصدار سندات اليوروبوند، عن إمكان خفض خدمة الدَّين العام بالعملات الأجنبية عبر عملية تقوم بها الدولة مع مصرف لبنان.

أما الوزيرة ريا الحسن، فاعتبرت أن المشكلة الكبيرة هي في ميزان المدفوعات. وأشارت إلى أن الخيارات قليلة، وأن «سيدر» يمكن أن يكون هو الحل. وأشارت إلى هروب أكثر من ملياري ونصف مليار دولار من لبنان في الفترة الأخيرة، بنتيجة الثقة المفقودة، داعية إلى أن تُسهم الموازنة في إعادة الثقة. وبعد أن اعتبر الوزير صالح الغريب أن المشكلة الكبيرة هي في خدمة الدَّين العام، طالب بموازنة استثمارية لمواجهة العجز التجاري. وركّز على ضرورة تخفيض الفوائد، واعتبر أن مصرف لبنان يملك دوراً مؤثراً في هذا الإطار. ورأى الوزير جبران باسيل أنه توجد فرصة استثنائية لإقرار موازنة استثنائية. واقترح سلسلة إجراءات تتضمن تخفيض خدمة الدَّين العام وترشيق حجم الدولة ولجم الهدر ومكافحة التهرب الضريبي والتهريب. وطالب بأن تكون أهداف الموازنة مرتبطة بالاقتصاد وخفض العجز التجاري.

مصدرجريدة الاخبار
المادة السابقةالتهويل أكبر من الأزمة: لبنان ليس اليونان!
المقالة القادمةالسعودية تحقق أول فائض في ميزانيتها منذ عام 2014