لم يفلح لبنان حتى هذه اللحظة في اخراج اقتصاده من دائرة التجاذبات والتعاطي غير المسؤول، فعلى مر سنوات بقيت السياسة مصيبة الإقتصاد الكبرى، اذ كان دائماً، ولا يزال، الشأن الاقتصادي وسيلة ضغط لا اكثر ومدخل لمحاربة الاطراف السياسية بعضهم لبعض.
ان الحديث عن انهيار الاقتصاد، كما يتم تداوله اليوم، ليس جديداً. ويعود الى العام السابق حيث آنذاك اثار الحديث عن الانهيار حفيظة نواب تكتل لبنان القوي، الذي قرأ في الحديث انطلاق حرب شعواء على عهد الرئيس ميشال عون لتفشيله وبث اليأس في نفوس المواطنين وقطع الآمال الاصلاحية والنهضوية التي زرعها الرئيس في نفوسهم.
اليومن وقد بدأ شبح الانهيار ينسحب رويداً رويداً، مع تطمينات حاكم مصرف لبنان واعلانه المتواصل عن تفاؤله، ومع حرص رئيس الجمهورية على معالجة الازمة بعيداً عن جيوب الفقراء، واصرار رئيس الحكومة سعد الحريري على مقاربة المسائل بجدية وحزم بعيداً عن ضجيج الإعلام. لا بد ان نسألك من يهوّل لإنهيار اقتصاد لبنان؟ ولماذا؟
استغرب كبير الإقتصاديين ومدير وحدة الدراسات في” بنك بيبلوس”، د. نسيب غبريل “ما يشهده لبنان منموجة اشاعات وتهويل اعلامي كبير عن قرب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية واتجاه المالية العامة في لبنان الى سيناريو مشابه لسيناريو إفلاس اليونان، علماً ان كثير هي الدول التي تقع في ازمة اقتصادية اصعب واقسى من الازمة اللبنانية ولا يتم مقارنتها باليونان”.
ولفت الى ان “التهويل بإنهيار مالي وما يرافقه من تبعات اقتصادية خطيرة انطلق مع بدء موسم الصيف العام الماضي وانتهاء الانتخابات النيابية وتكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة، علماً ان حتى هذه الساعة لم نرَ اي انهيار لسعر صرف الليرة وحتى لم نصل الى سيناريو اليونان”.
واذ شدد على ان “استمرار هذه الحملات له عدة اسباب غير بريئة”، لفت الى ان “الفراغ الحكومي الذي شهده لبنان عام 2018 سمح للناس بالخروج على مواقع التواصل الاجتماعي واطلاق النظريات يميناً ويساراً حول الواقع الإقتصادي، وهذا امر اعتدنا عليه في لبنان مع اندلاع اي ازمة حيث يظهر عشرات الاشخاص الباحثين عن الشهرة، فيطلقوا التصريحات التي تشوّش الرأي العام”.
وراى ان “اعتماد الجهات السياسية الورقة الاقتصادية كأداة للضغط في ملف الحكومة من اجل تحقيق مكاسب قدر المستطاع ساهم في تكريس المشهد التهويلي الذي يعيشه لبنان حالياً.”
واشار الى “وجود مستفيدين من هذا الواقع، وابرزهم الاشخاص الذين استدانوا بالليرة اللبنانية
اذ يعتبرون انه مع حدوث انهيار في سعر صرف الليرة سيتمكنون من سداد المبالغ المقترضة بالدولار، وتحقيق مكاسب في هذا الإطار. كما هناك أشخاص قاموا في استثمارات في الخارج ولا سيما في القطاع العقاري (اوروبا، قبرص، اميركا) ولهم مصلحة في انتشار هذه الموجة التي تقلق الناس وتدفعهم الى تشغيل الاموال في الخارج”.
تحديان كبيران
واعتبر غبريل ان “هذا لا يعني عدم وجود ازمة، بل الاقتصاد اللبناني يقف فعلياً امام تحديين: تخفيض حاجة الدولة للإستدانة، وتحفيز النمو الاقتصادي.”
واذ كشف ان “لبنان يمتلك العديد من المقومات للخروج من ازمته الإقتصادية الخانقة”، اعتبر ان “استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية يعني استقرار في المالية العامة، كما استقرار على الصعيد الاجتماعي ، وبالتالي هو مدخل اساسي للإصلاح يجب التعويل عليه”.
ونفى غبريل ان “تكون الدولة على حافة الافلاس اذ ان هذا الامر يقاس بقدرة الدولة على تسديد حاجاتها، وفي هذا الاطار لا بد من الاخذ بعين الاعتبار وجود احتياطي في مصرف لبنان سجل 38 مليار و600 مليون دولار في نهاية اذار، كما تمتلك المصارف سيولة جاهزة من العملة الاجنبية تتراوح بين 10 و11 مليار دولار، فيما الدين العام يبلغ 34 مليار دولار من العملة الأجنبية”.
واوضح انه “اذا قارنا واقع لبنان بواقع جمهورية مصر مثلاً نجده مريحاً جداً، فمصر لديها دين بالعملة الأجنبية يبلغ 93 مليار دولار فيما احتياطي العملات الاجنبية لديها فقط 44 مليار دولار”.
واكد “ضرورة مواجهة لبنان للتحديات لا سيما المتعلقة بإنفاق الدولة حيث يجب اتباع اجراءات
تبدأ من رأس الهرم وتؤشر الى وجود نية فعلية وحقيقية بالإصلاح، واولها توقيف التوظيف العشوائي وتطبيق البند 21 من قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي يتناول ضرورة توقيف التوظيف بشكل كامل لمدة سنتين واجراء مسح لمعرفة عدد العمال والموظفين في القطاع العام”.