تتعدّد الأجهزة الرقابية في لبنان، من ديوان المحاسبة العمومية الى التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية والهيئة العليا للتأديب والرقابة المالية، والتحقيق البرلماني، إلخ… بالإضافة الى مئات المفتشين في الوزارات، ولجان رقابية وغيرها.
هذا الجيش الضخم من المراقبين والمفتشين يكلّف الدولة اموالاً طائلة، وما النتيجة؟ مستوى غير مسبوق من الهدر والسرقة، تجاوزات مستمرة في كل القطاعات، لا تحسّن في عملية مكافحة الفساد ولم تتمّ محاسبة احد.
هل سألنا أنفسنا سؤالاً جوهرياً: من يُراقب المُراقب؟
المراقب يجب ان يتمتع بالكفاية والنزاهة، فكيف نراقب كفاية المراقب؟ فالشهادات الجامعية لا تعني حكماً وجود كفاءة تمكّنه من الرقابة، فهل نحدّد امتحانات لتقييم المراقب؟ ومن يضمن ان تكون الامتحانات فاعلة ونزيهة؟ ومن يضمن انّ من يمتحن المراقب يتمتع بالكفاية اللازمة؟ هي سلسلة لا تنتهي.
ومَن يراقب نزاهة المراقب؟ فما الذي يمنع المراقب من السقوط في فخ الرشوة والمنفعة الشخصية؟ وكيف سنؤمّن مراقباً حيادياً إذا كانت التوظيفات في البلد تتمّ عبر محاصصات سياسية طائفية؟ وكيف سيتمكن المراقب من القيام بعمله بفعالية من دون تأثير الزعيم او المسؤول الذي وظّفه؟
وللتذكير، انّ لدينا ما يُسمّى «مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان المركزي» ودوره مراقبة اعمال المصرف، وهناك لجنة الرقابة على المصارف وهي لجنة مستقلة عن المصرف المركزي، مهمّتها الرقابة على أداء المصارف والتأكّد من تطبيق القوانين والتدقيق في سلامة القطاع المصرفي، ونتيجة هذه الرقابة كانت سرقة ودائع الناس في عملية احتيالية ضخمة يستحق تعليمها في التاريخ، حرمت الناس من جنى أعمارهم.
نؤكّد انّ الوسيلة الوحيدة للرقابة الفعّالة هي إشراك المجتمع كله في عملية الرقابة على اعمال الحكومات والادارات والمصرف المركزي… الخ.
وهذا يعني إقرار قانون للشفافية المطلقة، تمكّن المواطن من الإطلاع على كل اعمال الدولة مباشرة من دون وسيط، فهو صاحب المصلحة الاولى.
المطلوب اليوم الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة عبر المنصّات الرقمية، وأن تكون كل أعمال السلطة موجودة تلقائياً على الإنترنت والمواقع الإلكترونية التابعة للإدارات، ليتمكن من يرغب الإطلاع عليها مباشرة ومن دون وسيط.
وهكذا تتوفر لدينا أعداد ضخمة من المراقبين، ومهما كان الموضوع، يوجد عدد كبير من اللبنانيين المقيمين والمغتربين قادرين على ان يحلّلوا ويكشفوا أي خلل.
فمثلاً، اذا كانت هناك مناقصة لإنشاء طريق، وكان دفتر الشروط متاحاً للعموم، فسيتمكن مئات من المهندسين المقيمين والمغتربين من التدقيق فيها، وتقويم ما اذا كانت ملغومة او مهندسة بطريقة لتطابق شركة معينة، كما وانّه عندما تفوز شركة بالمناقصة سيتمكن كثيرون من تبرير اللجنة لاختيار هذه الشركة بالذات، وبالطبع هذا ينطبق على كل القطاعات الاخرى.
نفهم إصرار المسؤولين على تجاهل الشفافية، فمصلحتهم تقضي بالتستر بعضهم على بعض وتعيين اجهزة رقابية تدين بالولاء لهم، لإيهام الناس بأنّهم يتمتعون بالشفافية وهم في الحقيقة مستمرون في عمليات الغش الخ… ولكن ما لا نفهمه هو تجاهل الناس والمجتمع المدني ونواب التغيير والمحللين الاقتصاديين لأهمية تطبيق الشفافية، وكيف يقبلون بعد كل ما تمّ ارتكابه في لبنان ان يبقوا جاهلين لكل ما تقوم به الدولة؟
يقول المثل «اللي بيجرّب مجرّب بيكون عقله مخرّب». فهل سنستمر في صرف اموال طائلة على الأجهزة الرقابية نفسها التي اصبحت الحامي الاول للسلطة، ام سنكسر هذه الدوامة لنحصل على رقابة اكثر عملية وشمولية عبر قانون للشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة؟
وعلى سيرة الشفافية، عمل المصرف المركزي بمبدأ الشفافية ونشر ما سمّاه «بيان الوضع الموجز»، وهو عبارة عن تقرير من ورقتين يعرض موجودات المصرف. هذه ليست الشفافية التي نتحدث عنها، نريد الإجابة عن الاسئلة التي نردّدها دائماً، اي في المختصر، ان نعرف كم أخذ المصرف المركزي من كل مصرف على حدة، لنتمكن من تحديد المسؤوليات، ومساءلة كل مصرف، بالإضافة الى أسئلة عدة ذكرناها مراراً في مقالات سابقة ولم نتلق اجابات واضحة حتى الآن. الشفافية ليست شعاراً نستعمله للإيحاء اننا نقوم بواجباتنا في حين انّ المطلوب هو أكثر بكثير.