يقول المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، محمد كركي، في تقرير رفعه إلى مجلس الإدارة أخيراً، إن صندوق ضمان المرض والأمومة حقّق في الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية وفراً بقيمة 672 مليار ليرة، إذ جرى تحصيل مبلغ 851 مليار ليرة مقابل إنفاق 150.7 مليار ليرة منها 30.5 مليار ليرة على تقديمات للأفراد (فواتير طبابة)، و120.1 مليار ليرة على تقديمات استشفائية (داخل المستشفى). وهذا يعني أن الوفر المقدّر في نهاية السنة سيبلغ 1600 مليار ليرة أو ما يعادل 18 مليون دولار نقداً أو 107 ملايين دولار وفق سعر الصرف المعتمد رسمياً.
هذه الأرقام مثيرة للدهشة، إذ كيف يمكن أن يحقّق صندوق المرض والأمومة «المكسور» منذ سنوات، وفراً تتغنّى به الإدارة أمام مجلس إدارة شبه معطّل؟ الإجابة تكمن في الآتي: التقديمات باتت شبه متوقفة في الصندوق، أي إن المضمونين والذين على عاتقهم لا يحصلون على الحدّ الأدنى من الرعاية الطبية. فمجموع ما أنفق عليهم يبلغ 150.7 مليار ليرة، أي ما يعادل 1.69 مليون دولار بمعدل 338 ألف دولار شهرياً. وإذا قدّرنا أن هذه الوتيرة من الإنفاق ستستمر لغاية نهاية السنة الجارية، فإنها ستبلغ 4 ملايين دولار، أي ما يوازي 0.02% من الناتج المحلي الإجمالي المقدّر أن يبلغ 16.2 مليار دولار في نهاية السنة الجارية وفق صندوق النقد الدولي. في السابق، أي في عام 2018، أنفق ضمان المرض والأمومة نحو 915 مليار ليرة أو ما يوازي في ذلك الحين 610 ملايين دولار، أي ما نسبته 1.2% من الناتج في ذلك الوقت، أي إن حجم التقديمات سيتراجع من 610 ملايين دولار إلى 4 ملايين دولار. وهذا المسار الانحداري ورد في تقرير أعدّه خمسة أعضاء في مجلس إدارة الضمان (فضل الله شريف، رفيق سلامة، عادل عليق، أنطوان واكيم، غسان غصن) مشيرين إلى أن استمرار التقديمات الصحية بالوتيرة نفسها يعني أنها «في نهاية السنة ستبلغ 360 مليار ليرة، أي أقلّ من كلفتها الإدارية الموجودة في الموازنة والمحدّدة بنحو 370 مليار ليرة». ويضيف الأعضاء الخمسة، إن فرق تقديمات الطبابة والاستشفاء بين عامَي 2018 و2023 (بالدولار) انحدار بنسبة 161 درجة. أما إذا أخذ في الاعتبار ما ورد في مشروع موازنة 2023 التي تقدّر زيادة التقديمات إلى 6730 مليار ليرة، فإن «سرعة الصعود ستكون 19 درجة (ضعفاً)».
إذاً، الفرق لا يتعلق بما يرد في موازنة 2023 وما قبلها، بل في الإنفاق الفعلي الذي يبدو بعيداً جداً عن الواقع المراد تصويره في الموازنة. فهذه الأرقام تعني أن مستوى الخدمات الذي حصل عليه المضمونين ومن على عاتقهم يكاد يكون صفراً. فالأفراد توقفوا عن تقديم فواتير زيارات الأطباء وفواتير الأدوية لأنهم لن يقبوا أكثر من 10% من قيمتها بعد أكثر من سنة! والأمر نفسه ينطبق على تقديمات الاستشفاء التي لا تغطّي أكثر من 10% من قيمة الفواتير والباقي يدفعه المريض من جيبه الخاص.
بهذا المعنى، يقول تقرير الأعضاء الخمسة: «أرقام التقديمات وإن كانت أرقاماً صادمة، فإن مجملها يذهب إلى مقدمي الخدمات وخصوصاً المستشفيات الذين تنصّلوا من الالتزام بتعرفات الصندوق الرسمية وفرضوا على المضمونين تعرفاتهم الخاصة التي وضعوها وفق مصالحهم. وأحجمت المستشفيات عن استقبال المرضى قبل أن يسددوا سلفاً كامل فاتورة الاستشفاء، وأحياناً بالدولار النقدي».
ويستغرب الأعضاء الخمسة كيف تحقق الوفر في الضمان على أيدي المدير العام: «لم يرفق بمشروع الموازنة الدراسات والإحصاءات اللازمة لتوضيح كيف تأمّن الوفر في صندوق المرض والأمومة، وكيف تمكّن هذا الوفر من تغطية الديون المترتبة على هذا الصندوق، ومنها المبالغ المستلفة من أموال نهاية الخدمة، وقيمة استمارات المرضى المتراكمة من دون تصفية، وكيف تمكّن أيضاً من إعادة تكوين الاحتياط القانوني البالغ ما يزيد عن ألف مليار ليرة».
تكريس الإفلاس
يشارك عدد من أعضاء مجلس إدارة الضمان الاجتماعي، مدير الضمان، في هدم ما تبقى من الصندوق كأن هناك اتفاقاً تحت الطاولة بينهم وتبادلاً للأدوار في ظل عدم وجود لجنة فنية وبحضور مدير الظل، والقائد الفعلي للضمان، رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير. كذلك، تشارك قوى السلطة في مجلسَي الحكومة والنواب، بتعطيل أي عمل تطويري يتعلق بالضمان الاجتماعي في محاولة لإنقاذ أرباب العمل من تسويات نهاية الخدمة التي ستترتب عليهم، إذ يناقشون فقط مشروع قانون التحوّل من صندوق نهاية الخدمة إلى صندوق تقاعدي وتضمينه بنداً يلغي تسويات نهاية الخدمة التي يفترض أن يدفعها أصحاب العمل للضمان والتي تقدّرها منظمة العمل الدولية بنحو 40 ألف مليار ليرة.