تكاد تنقضي المهلة التي منحها مجلس النواب لمجلس الوزراء، ولنفسه، لإقرار الموازنة، ولا تزال الحكومة عاجزة عن تقديم مشروع موازنة جدي. يكفي لإظهار انعدام الرؤية أن مشروع قانون الموازنة الذي أحاله وزير المال علي حسن خليل على مجلس الوزراء قبل أسابيع كان يتضمّن 62 مادة قانونية، فإذا بالنسخة المنقحة التي قدّمها خليل نفسه أمس، تضم 82 مادة! خليل عبّر عن غضبه في جلسة مجلس الوزراء أمس. طالبه الوزير ريشار قيومجيان بنسخة جديدة من مشروع الموازنة، فقال وزير المال: لا يجوز أن نعدّ مشروع الموازنة أكثر من مرة. هذا أمر يحتاج إلى وقت طويل. بعض زملائه رأوا في “غضبته” هذه امتعاضاً من ورقة زميله، وزير الخارجية جبران باسيل، التي “هبطت” على طاولة النقاش بعد أكثر من 12 جلسة حكومية. لكن خليل أعطى نسخة منقّحة من المشروع إلى الأمين العام لمجلس الوزراء، الذي أرسلها، بعد الجلسة، إلى الوزراء الذين تعهّدوا بعدم تسريبها. حصلت “الأخبار” على نسخة من المشروع الجديد، فإذا به كالنسخة الأولى، لا يقول شيئاً في الاقتصاد
هي مجرّد حسابات لا تحتاج إلى “سلطة سياسية” لإقرارها، بل مجموعة محاسبين يقصّون من النفقات، ولو كانت مجدية، ويزيدون الأعباء على المكلفين، ولو كانت مؤذية، بهدف تحقيق الأرقام التي تعهّدت بها الحكومة أمام مؤتمر “سيدر”. يكفي أيضاً للتدليل على انعدام الرؤية الاقتصادية أحد البنود في ورقة باسيل الذي تحوّل في الأيام الماضية إلى وزير مالية ظل، إنما داخل مجلس الوزراء. هذا البند (لم يتم التوافق عليه)، يقترح فرض رسوم باهظة على العامل الأجنبي، في حال كان أفراد عائلته يعيشون في لبنان، لتشجيعهم على المغادرة. ويعني ذلك أن هذا العامل سيرسل الجزء الأكبر من دخله إلى عائلته خارج لبنان، بدلاً من إنفاقه في لبنان في حال كانت عائلته تعيش معه. يقترح باسيل ذلك، فيما البلاد تعاني من نزف في العملة الأجنبية، نتيجة الاستيراد وانخفاض تحويل الأموال إلى لبنان.
الخلاصة الرئيسية التي يمكن الخروج بها بعد الاطلاع على المشروع الجديد للموازنة، أن الأقوى حضوراً داخل مجلس الوزراء، ليس سوى الرئيس الأسبق للحكومة، فؤاد السنيورة. وبصرف النظر عن نظرة الخبراء لمشاريعه، إلا أن مقترحات السنيورة، وزيراً للمال ورئيساً للحكومة، التي كان “الرأي العام” يبغضه بسببها، كانت الحاضر الأبرز في النقاشات، وفي البنود التي جرى تبنّيها: تمجيد للتقشف، وعداء للقطاع العام، وحرص مبالغ فيه على المستفيدين الكبار من النموذج الاقتصادي المعمول به في لبنان.
إذاً، بعد كل الجلسات التي عقدها مجلس الوزراء، قدّم وزير المال نسخة منقّحة من مشروع موازنة عام 2019، يتضمن التعديلات التي جرى التوافق عليها. المفارقة أن انعكاس كل ذلك على الأرقام كان محدوداً جداً، إذ ارتفعت قيمة النفقات في النسخة الجديدة نحو 37 مليار ليرة من 23 ألفاً و617 ملياراً إلى 23 ألفاً و654 مليار ليرة، في حين ارتفعت الإيرادات بقيمة أكبر بلغت 621 مليار ليرة، من 18 ألفاً و265 ملياراً إلى 18 ألفاً و886 مليار ليرة.
احتفظ المشروع المنقّح بأكثرية المواد الواردة في المشروع الأصلي، مع تعديلات طفيفة عليها وإضافة مواد جديدة، بعضها تجرى محاولة إمرارها منذ سنوات طويلة، كخفض الضريبة المفروضة على إعادة تقويم الأصول الثابتة والعقارات من 10% إلى 3% و2%. وكذلك التعديلات على نظام التقاعد والمبالغة في زيادة رسوم إجازات العمل للأجانب الى مستويات مرهقة ستزيد البؤس الذي يعيشون فيه.
تجدر الإشارة الى أن المشروع المنقّح ليس النسخة الأخيرة، اذ لا يزال النقاش مستمراً في مجلس الوزراء وخارجه للتوافق على المزيد من الإجراءات الضريبية (مثل فرض رسم جمركي على المستوردات) أو التي تطاول الأجور (مثل خفض بدل النقل اليومي من 8 آلاف ليرة الى 6 آلاف ليرة، وكذلك المنح التعليمية ووضع قواعد جديدة لتطبيع التدبير الرقم 3 في الأسلاك الأمنية والعسكرية وزيادة الحسومات التقاعدية من 6% إلى 9%).
يمكن إيجاز أبرز ما تضمنه المشروع المنقّح، على الشكل الآتي:
الرواتب والملحقات ونظام التقاعد
ـ إخضاع معاشات التقاعد لضريبة الدخل على الرواتب والأجور، ما عدا تعويضات نهاية الخدمة من صندوق الضمان وتعويضات الصرف التعسفي.
ـ تجميد طلبات الإحالة الى التقاعد لمدة 3 سنوات، ما عدا السلك القضائي وبلوغ السن القانونية. وإذا أصر صاحب الطلب يتمّ حسم 25% من حقوقه التقاعدية
ـ اقتطاع 3% من رواتب ومعاشات تقاعد العسكريين للطبابة والاستشفاء والتقديمات الاجتماعية
ـ باستثناء حالة الاستشهاد المحددة في قانون الدفاع الوطني، لا يجوز الجمع بين معاش تقاعدي وأي مخصصات من المال العام، وفي هذه الحالة يستحق الأعلى.
ـ رفع سنوات الخدمة قبل التقاعد في السلك العسكري من 18 سنة الى 23 سنة للأفراد والرتباء، ومن 20 الى 25 سنة للضباط، ومن 15 سنة الى 18 سنة لضباط الاختصاص. أمّا في السلك الإداري، فمن 20 سنة الى 25 سنة للموظفين كافة، مع مراعاة الأحكام الخاصة بالمرأة وأوضاع موظفي الفئة الأولى الذين يدخلون الوظيفة العامة في سنّ لا يسمح لهم بالاستمرار بالخدمة لمدة 25 سنة.
ـ تحديد حد أقصى لمجموع التعويضات وملحقات الراتب بنسبة 75% من الرواتب الأساسية خلال سنة مالية واحدة.
ـ تخفيض الإجازة السنوية من 20 يوماً الى 15 يوماً، على أن يضاف يوم كل 5 سنوات من الخدمة الفعلية، ما عدا العطل المدرسية والقضائية.
ـ وقف العمل بتوزيع أنصبة الأرباح والرواتب الإضافية، ما عدا الراتب الثالث عشر والرابع عشر في المؤسسات العامة الاستثمارية.
ـ تخفيض قيمة مساهمة الدولة عن كل تلميذ مسجل في المدارس الخاصة المجانية.
التعديلات الضريبية والإعفاءات والحوافز للقطاع الخاص
ـ رفع الضريبة على ربح الفوائد من 7% الى 10%.
ـ زيادة شطر على الرواتب والأجور وأرباح المهن الصناعية والتجارية وغير التجارية يفوق 225 مليون ليرة، وفرض معدّل ضريبة عليه بنسبة 25%، بدلاً من 20%.
ـ خفض رقم الأعمال للمكلفين بالضريبة على القيمة المضافة من 100 مليون الى 50 مليون ليرة.
ـ إلغاء الإعفاءات من الرسوم الجمركية، ما عدا لبعض الفئات والسلع، منها السيارات الجديدة الهجينة أو العاملة على الكهرباء.
ـ تعديل بعض الرسوم التي يستوفيها الأمن العام.
ـ تعديل رسوم السير وتحويل حصيلة غرامات السير المستوفاة بموجب طوابع مالية الى الخزينة. أمّا الغرامات المستوفاة بموجب أحكام قضائية فتوزّع بين الخزينة وصندوق تعاضد القضاة وصندوق المساعدين القضائيين على مدى سنتين، على أن تحوّل اعتباراً من السنة الثالثة الى الخزينة كلها.
ـ تنظيم بيع الأرقام المميزة وفرض رسوم عليها.
ـ فرض رسم مقابل إشغال غرفة في فندق أو شقة مفروشة عن كل ليلة.
ـ زيادة رسوم إجازات العمل من مليون الى 3 ملايين ليرة للفئة الأولى، ومن مليون الى مليوني ليرة للفئة الثانية، ومن 300 ألف الى مليون ليرة للفئة الثالثة ومن 50 ألفاً الى 300 ألف ليرة للفئة الرابعة، وزيادة رسم تصديق نظام داخلي للشركات وتصديق دوام العمل في الشركات الى 100 ألف ليرة.
ـ إعفاء المؤسسات العامة والقطاع الخاص من الغرامات بنسبة 85% على الضرائب والرسوم البلدية ورسوم الميكانيك والسير واشتراكات الضمان الاجتماعي.
ـ خفض الضريبة على إعادة تقويم استثنائية للأصول الثابتة الى 3%، وعلى العقارات إلى 2%.
ـ خفض رسم التسجيل العقاري للذين بحوزتهم عقود بيع أو وكالات غير قابلة للعزل منظمة لدى الكاتب العدل، ليصبح 2% للشطر تحت 375 مليون ليرة و3% للشطر الذي يزيد على 375 مليون ليرة، شرط أن يسجّلوا عقاراتهم قبل نهاية هذا العام.
ـ خفض رسوم السير وتسجيل الدراجات النارية الصغيرة.
ـ تمديد مهل التراخيص المتعلقة بتملك الأجانب لمدة 3 سنوات. بعدها يتم فرض غرامة سنوية تراكمية بنسبة 2% من قيمة العقد في حال عدم المباشرة بتشييد البناء.
ـ إعطاء حوافز وإعفاءات وتخفيضات ضريبية للمشاريع الاستثمارية القائمة في لبنان التي تقوم بالتوسيع وإجراء توظيفات جديدة.
ـ تتحمل الدولة تسديد الاشتراكات للضمان، لمدة سنتين، عن الأجراء اللبنانيين الذين يتم استخدامهم من تاريخ نفاذ القانون حتى آخر سنة 2021، بشرط أن يكونوا يعملون لأول مرّة أو عاطلين من العمل أو تركوا العمل قبل 6 أشهر من نفاذ هذا القانون، على ألا تزيد قيمة الأجر على 18 مليون ليرة سنوياً.
ـ تكليف المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات تسديد كامل الاشتراكات للضمان عن العمالة الماهرة اللبنانية التي يتم استخدامها في وظائف جديدة في قطاعَي التكنولوجيا والمعلوماتية والاتصالات، وذلك لمدّة سنتين
ـ إخضاع الإنفاق على دعم فوائد القروض الاستثمارية للأصول المنصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية، أمّا القروض المدعومة من مصرف لبنان فيعود لمجلس الوزراء تحديد الأولويات القطاعية، بعد استطلاع رأي حاكم مصرف لبنان.