تخيم على البلاد أجواء من القلق والترقب من جراء الوضعية التي بلغتها المالية العامة، ويبدو واضحاً من التحركات التي شهدها الاسبوع الفائت وصولاً إلى لقاء الأربعاء يوم أمس في عين التينة أن ثمة دلالات ومؤشرات لم يعد من إمكانية لتجاهل مدى خطورتها وتأثيرتها السلبية.
في “لقاء الأربعاء” الماضي شارك وزير المال علي حسن خليل في اجتماع النواب مع الرئيس نبيه بري. وبحسب المعلومات فإن حضوره كان متعمدا، لا سيما أن خليل نادراً ما يشارك في هذا اللقاء الاسبوعي، غير أن زيارته عين التينة يومذاك، هدفت إلى أن يضع النواب في خطورة الأوضاع المالية على أمل أن ينقل اصحاب السعادة الاجواء الى كتلهم السياسية. في الجلسة، لم يفصح وزير المال عن خلفية رؤيته هذه، بيد أنه كان واضحاً أنه يريد أن يشرك الجميع في تحمل المسؤولية ويضع المعنييين امام مسؤولية تردي الاوضاع المالية.
لقد تزامنت خطوة وزير المال مع الموقف الذي أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة متعمداً بدوره الاشارة إلى خطورة الأوضاع وتقصير الحكومة ومسؤوليتها في ضرورة المسارعة في معالجة الاوضاع المالية، وتلا ذلك زيارة وفد الهيئات الاقتصادية رئيس المجلس النيابي ليعزفوا على المنوال ذاته، حيث جرى تداول افكار واجراءات عملية ضرورية للمساهمة في احتواء حراجة الوضع المالي، ليعقب ذلك زيارة سلامة عين التينة ولقائه رئيس المجلس للغاية عينها.
في “لقاء الاربعاء” يوم أمس، اقتصرت النقاشات بين الرئيس بري والنواب المشاركين على استعراض الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجراءات التي يجب اتخاذها بصورة عاجلة، فأوضح بري أنه لم يعد من المسموح للدولة ان تستمر في إنفاقها كما لو أن الاوضاع الاقتصادية على خير ما يرام، مؤكداً ضرورة تخفيض العجز في الموازنة العامة إلى أدنى مستوى ممكن، بل ضرورة إصدار الموازنة من دون عجز، اذ أن التقديمات التي تعطيها الدولة للجيش وللقوى الامنية لم تعد مبررة في ظل الاوضاع المالية السائدة ، معتبراً أن هذا الموقف كـ”من يدق في عرضه” للدلالة على صعوبة الموقف، مؤكداً أن ليس هناك من خيارات اخرى وعلى المنوال ذاته في ما خص كل التقديمات الإضافية، التي كانت تتضمنها الموازات السابقة على قاعدة أن يشترك الجميع في تحمل المسؤولية وأعباء الحل، من دون أن يشكل هذا الامر مساً بالحقوق المكتسبة لذوي الدخل المحدود.
وشدد بري، على ما نقله إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بضرورة أن يعالج مجلس الوزراء الموازنة العامة، وأن يحولها إلى البرلمان ليقوم بواجباته في أسرع وقت ممكن وإنهاء النقاشات التي يحتاجها إقرار الموازنة، مشيراً إلى أن شركات النفط سوف تباشر بالتنقيب في نهاية هذا العام وبداية العام المقبل على قاعدة ان هذا الامر يشكل اسهاماً حقيقياً في اشاعة الامل لحلول مقبلة.
وفي السياق نفسه أجمع النواب على أن الحلول والاجراءات المطلوبة يجب الا تخضع للمعايير الشعبوية التي تحكمت مراراً بصياغة المواقف الاقتصادية للكتل النيابية، كما حصل في مرحلة مناقشة سلسلة الرتب والرواتب. ومن المتوقع أن يتحول النقاش المالي والاقتصادي الى المادة الاساسية التي تخيم على المؤسسات الدستورية خلال الفترة المقبلة.