موازنة من دون فذلكة وبعجزٍ وهمي

يستأنف الفريق اللبناني مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي، في موازاة بدء الحكومة بمناقشة مشروع موازنة العام 2022، الذي جاء غير مراعٍ لأي خطة اصلاح ونهوض يجب ان تضعها الحكومة لمعالجة أزمة غير مسبوقة تعاني منها البلاد منذ اكثر من عامين على مستوى الاقتصاد الكلي، المالي، المصرفي والنقدي. تتعلق أبرز الاعتراضات على مشروع الموازنة على انّ الموازنة غير قانونية ودستورية، وهي ضريبية بامتياز وتزيد من الأعباء على كاهل المستهلك في مقابل غياب الإجراءات التي تؤمّن حماية اجتماعية للمواطن وتساعده في تحمّل تداعيات الأزمة وتقلّبات سعر الصرف، وفقدانه لقدرته الشرائية بشكل شبه كامل.

في هذا الإطار، اعتبرت الخبيرة الاقتصادية عليا المبيّض، انّ مشروع الموازنة غير عادل، فهو يستفيض في زيادة الرسوم (مواد 56 و 105) والضرائب غير المباشرة بشكل واسع وتحويل جزء منها إلى رسوم مسعّرة بالدولار خلافاً للقانون، وفرض رسم 3% على الاستيراد، ممّا سيعزّز الضغوط التضخمية، في مقابل مروحة كبيرة من الإعفاءات الممنوحة لشركات الأوف شور، وتمديد المِهل لدفع الرسوم المتوجبة على إشغال الأملاك العامة، ولاسيما البحرية. بالتالي فهي تستمرّ في تعميق مبدأ عدم المساواة القائم في المجتمع اللبناني.

واشارت المبيّض الى انّ مشروع الموازنة ينطوي على مخالفات قانونية ودستورية فادحة، أهمّها المواد (109 و 132 و 133) التي تعطي وزير المالية لمدة سنتين، صلاحيات تشريعية استثنائية لتحديد سعر الصرف وتفاصيل ضريبة الدخل خلافاً لمبدأ فصل السلطات واستقلالية المصرف المركزي وغيرها من القوانين. ولفتت مبيّض الى انّ مشروع الموازنة لا يتضمّن فذلكة الموازنة التي توثّق التطورات الاقتصادية والمالية، وتشرح بشكل علمي وموضوعي كيف قضت هذه السياسات على الاقتصاد والمؤسسات في القطاعين العام والخاص. معتبرة انّ المشروع مفصول عن خطة نهوض شاملة متوسطة الأمد.

واوضحت انّ مشروع الموازنة يكرّس تعددية سعر الصرف عبر إعطاء سلطة استنسابية لوزير المالية ليحدّد سعر الصرف من أجل استيفاء الضرائب والرسوم (المادة 133). «وهذا أمر خطير، إذ يزيد من الضبابية وعدم اليقين للعملاء الاقتصاديين والمواطنين. كما ذكرت مبيّض، انّ الموازنة غير شاملة وغير مكتملة، لأنّها لا تتضمّن الإنفاق الإستثماري الذي سيتمّ تمويله من الخارج بقروض من البنك الدولي وجهات مانحة أخرى، ضاربة بعرض الحائط مبدأ شمولية الموازنة.

اما من ناحية البنود المتعلّقة بالمصارف والودائع، رأت مبيّض انّ مشروع الموازنة قونن تحويل الودائع الى الليرة بشكل غير مباشر وخلافاً لأحكام القانون، عبر خلق نوعين من الودائع وإلزام المصارف بتسديد الودائع بالعملة الأجنبية التي يتمّ إيداعها نقداً او من خلال تحويلات مصرفية خارجية بالطريقة عينها التي أُودعت لديها من تاريخ نشر هذا القانون. كما انّه يعطي حاكم مصرف لبنان سلطة تحديد التفاصيل. لتسمح الموازنة بذلك بقوننة تحميل الخسائر لأصحاب الودائع ما قبل هذا التاريخ. وفيما اشارت الى انّ تحويل نسبة من الودائع الى الليرة، سيكون حتماً جزءاً من الحلّ، نظراً للكمّ الهائل من الخسائر المتراكمة.

واشارت الى انّ الموازنة تحافظ وتعزز النظام الاقتصادي والمالي غير المستدام الذي أنتج الأزمة الطاحنة الحالية، عبر إعفاء الودائع بالدولار من الفوائد على مدة 5 سنوات (المادة 96)، ممّا يشير إلى غياب أي نيّة بإعادة النظر بالنموذج الحالي لتمويل الاقتصاد القائم على حجم قطاع مصرفي يضاهي عدة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، وسياسات الإغراء في السابق عبر الفوائد المرتفعة الواهمة، واليوم عبر الإعفاء من الضرائب.

مصدرالجمهوربة - رنى سعرتي
المادة السابقةأسعارٌ جديدة للمحروقات
المقالة القادمةلجنة سعودية خاصة لدعم توطين قطاع الطاقة