لا تزال البلاد تنتظر ترجمة الخطوات العمليّة للاجتماع الاقتصادي الذي عُقد في بعبدا الإثنين الماضي، وسط ترقّب للوقت الذي ستستغرقه مناقشة موازنة 2020 في مجلس الوزراء.
لا شكّ أن الأوضاع وصلت إلى حافة الهاوية، خصوصاً بعد كل موجات التصنيفات الإقتصاديّة الأخيرة من مؤسسات دوليّة، يُضاف إليها عدم القدرة حتى الآن على إطلاق برنامج إصلاحي حقيقي.
ولا يستطيع أحد إنكار أن البلاد تعاني من فساد لم تصله في مراحل سابقة، وهذا الفساد ينهش مؤسسات الدولة، وسط عدم توقّف ظاهرة نهب المال العام وسرقة الخزينة، وسيطرة المحاصصة وتقاسم المغانم.
ويتخوّف الشعب اللبناني من أن تستكمل الطبقة السياسيّة الحاكمة سياساتها التي بدأت منذ ما بعد توقيع “إتفاق الطائف”، تلك السياسات الماليّة الخاطئة التي أوصلت البلاد إلى حافة الإنهيار، وجعلت الشعب في وضع لا يُحسد عليه حيث بات معظمه يعاني الفقر والبطالة والعوَز.
كل تلك الأزمات لم تدفع السياسيين إلى القيام بخطوات إنقاذيّة سابقاً، في حين أن اجتماع بعبدا الإقتصادي أتى متأخّراً بعدما وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة.
وتراهن بعبدا على الإجتماع الإقتصادي، إذ “لا صوت يعلو فوق صوت الهمّ الإقتصادي” في أروقة القصر الرئاسي هذا الأسبوع، وقد حدّد رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون خطّة عمل من أجل القيام بالخطوات الضروريّة.
وتُسيطر أجواء إيجابيّة على القصر الرئاسي، حيث أن خطّة العمل تنقسم إلى محطات عدّة، فالمطلوب الآن متابعة مقرّرات “اللقاء الإقتصادي”، وهذه المتابعة ستحصل عبر قوانين تُقرّ في مجلس النواب، ومراسيم يُقرّها مجلس الوزراء.
ومن جهة ثانية، هناك متابعة لمقرّرات مؤتمر سيدر1، بحيث أن مفاعيل هذا المؤتمر لا تزال قائمة عكس ما يوحي البعض، لذلك المطلوب القيام ببعض الخطوات الإصلاحيّة الضرورية لتدفّق أموال المؤتمر إلى لبنان، وسط الرهان على أنّ هذه الأموال ستُحدث صدمة إيجابيّة وتساعد الإقتصاد المترنّح على النهوض من كبوَته.
ووسط كل ما يحصل، تراهن بعبدا على تكثيف عمل مجلس الوزراء لأن هناك بنوداً عدّة بحاجة إلى إقرار، وستُعقد اليوم جلسة للمجلس وسيُناقش فيها عدد من البنود.
ومن المفترض أن تصل الموازنة لسنة 2020 اليوم إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لكن من المستبعد أن تتمّ مناقشتها في جلسة اليوم، بل من الممكن أن توزّع على الوزراء للإطّلاع عليها، في حين أن مناقشتها ستنطلق في الجلسات اللاحقة.
ويبدو أن هناك قراراً متّخذاً لتكثيف جلسات الحكومة، ومن المتوقّع أن تُعقد جلستان الأسبوع المقبل، وهذه الجلسات ستكون متلاحقة من أجل الإنتهاء من إقرار الموازنة ورفعها إلى مجلس النواب لبدء دراستها في لجنة المال والموازنة ومن ثمّ إحالتها إلى الهيئة العامة للمجلس للتصويت عليها.
وإذا كان الإجتماع الإقتصادي الذي عُقد في بعبدا هو بداية لمسار طويل يجب أن يسلك طريقه نحو التنفيذ، فإن دوائر القصر الجمهوري تراهن على تأمين الأجواء الإيجابيّة لنجاح أي مبادرة إقتصاديّة، لأن الإستمرار بالسجالات وعدم تأمين الإستقرار السياسي سيؤثّران سلباً على الوضع الإقتصادي ككلّ.
ويتّفق كل من رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على تفعيل عمل الحكومة وعدم هدر الوقت، والانكباب على عقد جلسات لمجلس الوزراء.
وترى بعبدا أنّ العمل لا يقع فقط على عاتق مجلس الوزراء مجتمعاً، بل إنّ كل وزير يجب أن يكون منتجاً في وزارته، وهناك وزارات حساسة يجب ان تقوم بعمل إستثنائي.
ووسط كل ما يروَّج عن خطّة العمل، تبقى العبرة في التنفيذ بعد فقدان الثقة بالطبقة السياسيّة، وتأكيد معظم الشعب اللبناني أنّ من أوصل البلاد إلى الهاوية لا يستطيع النهوض بها مجدداً.
وفي هذه الأثناء، وعدا عن الضغط الشعبي للشروع بخطة الإنقاذ، فإن المجتمع الدولي يرسل تحذيراته بضرورة القيام بالإصلاحات المطلوبة، وهذه التحذيرات ينقلها السفراء والمسؤولون الدوليون الذين يزورون لبنان، وكأن الخارج حريص على البلاد أكثر من القادة الحاكمين والمتحكمين بكل مفاصل الدولة.