موازنة 2022: التفليس المتعمّد للضمان الاجتماعي

على ما يبدو، وفي مقابل تركيز خطّة الحكومة الماليّة على معالجة أزمة خسائر المصرفي على حساب المال العام وأموال المودعين، تذهب الموازنة العامّة التي تقترحها وزارة الماليّة اليوم إلى تدفيع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ثمن أزمة تعثّر الدولة في سداد مستحقاتها للصندوق، ناهيك عن وضع موجودات الصندوق تحت وطأة مخاطر أي تدهور إضافي في سعر صرف الليرة اللبنانيّة.

فالدولة اللبنانيّة مدينة لفرع ضمان المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنحو 5,000 مليار ليرة لبنانيّة، وهي مبالغ يحتاجها بشدّة هذا الفرع من الصندوق بشكل ماس لسداد قيمة العجز التراكمي في ميزانيّته، وللتمكّن من الاستمرار بتأمين التغطية الصحيّة للمنتسبين إليه. مع الإشارة إلى أنّ العجز في فرع ضمان المرض والأمومة، يدفع الصندوق باستمرار إلى الاستدانة من أموال فرع نهاية الخدمة، ما يؤدّي إلى تآكل الأموال المرصودة لتعويضات نهاية خدمة المضمونين. ومن المعلوم أن تغاضي الدولة عن سداد التزاماتها للصندوق يمثّل أبرز أسباب تعثّره، حيث تمثّل هذه الالتزامات وحدها نحو 37% من موجودات الصندوق القائمة اليوم.

في كل الحالات، وعوضًا عن وضع خطّة عاجلة لسداد هذه الالتزامات من قبل الدولة لمصلحة الضمان، لإنقاذ الصندوق من الإفلاس المحتم، ذهب مشروع قانون الموازنة العامّة الذي يناقشه مجلس الوزراء حاليًّا إلى تكريس وقوننة حالة التعثّر التي يعاني منها الصندوق، نتيجة عدم سداد الدولة لالتزاماتها له. فالمادّة 24 من الموازنة نصّت على تشريع تقسيط التزامات الدولة لمصلحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على فترة 10 سنوات، أي بدفعات لا تتجاوز قيمتها ال500 مليار ليرة لبنانيّة سنويًّا. وتجدر الإشارة إلى أنّ الدولة قامت بجدولة التزاماتها لمصلحة الصندوق مرّتين سابقتين على هذا النحو بالتحديد، حين تم استعمال هذه الجدولة لتأجيل التعامل مع أزمة هذه الالتزامات، من دون أن تلتزم الدولة بالدفعات المتفق عليها.

وفترة السماح القانونيّة هذه، ستسمح للدولة بالمضي قدمًا في مشاريع استعمال أصول الدولة ومصرف لبنان لسداد فجوة خسائر القطاع المصرفي، عبر مشاريع الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص، كما تنص الخطة الماليّة الجديدة، من دون أن تكون الحكومة عرضة للمساءلة من جهة سبب المضي قدمًا في الإنفاق من المال العام لإنقاذ المصارف مقابل عدم التعامل مع إلتزاماتها المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. مع العلم أن ترحيل التزامات الدولة للصندوق لمدّة 10 سنوات، كما تنص الموازنة ستعني تعريض هذه المستحقات لمخاطر أي تدهور إضافي في سعر صرف الليرة اللبنانيّة.

كل هذه التطوّرات، ستمثّل عاملاً إضافياً من العوامل التي تدفع الصندوق إلى التعثّر، إلى جانب الكثير من العوامل الأخرى التي ظهرت خلال الأشهر الماضية. فقيمة موجودات الصندوق، التي كانت تبلغ نحو 9 مليار دولار في بدايات العام 2019، لم تعد تتجاوز اليوم حدود 700 مليون دولار، مع التدنّي الذي حصل في سعر صرف الليرة اللبنانيّة، خصوصًا كون الغالبيّة الساحقة من استثمارات الصندوق تمثّل موجودات مقوّمة بالليرة اللبنانيّة. أما الإشكاليّة الأهم، فهي أن سندات الخزينة المقوّمة بالليرة اللبنانيّة تمثّل نحو نصف استثمارات صندوق فرع نهاية الخدمة، ما يشكّل ديوناً إضافيّة على الدولة تُضاف على التزامات الدولة المشار إليها في مشروع قانون الموازنة. أما نصف الاستثمارات الآخر، فيتوزّع على توظيفات مصرفيّة متأثرة بأزمة احتجاز الودائع.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةمؤشّر مكافحة الفساد: لبنان الأسوأ تاريخياً.. وزارة الطاقة نموذجاً
المقالة القادمةوزارة المالية: نخطط لاعتماد سعر صرف 10.083 ليرة للدولار ونتوقع أن يكون عجز الموازنة 2.3 في المئة