من عجز بنحو 41 تريليون ليرة الى عجز بنحو 17 تريليوناً ثم الى صفر عجز، بإيرادات تساوي النفقات (295 تريليون ليرة = 3,3 مليارات دولار). هذا هو المسار الملتوي لمشروع موازنة 2024 منذ إعلانها أول مرة في أيلول الماضي. والمفاجآت الغريبة لم تنتهِ بعد، فقد أرسلت وزارة المالية الى لجنة المال والموازنة الجمعة الماضي كتاباً تؤكد فيه أن باستطاعتها رفع إجمالي الايرادات الى 320 تريليون ليرة! ما يعني أنّ هناك فائضاً متوقعاً، مع ترجيح أن يكون وهمياً. فتقرير لجنة المال والموازنة الذي أرسل إلى النواب قبل يومين، أكد «أنه يتعذر على الوزارة تقدير ما يمكن ان تحققه كل مادة من مواد مشروع الموازنة على حدة كما طلبت اللجنة»! مثلما أنّ وزارة المالية كانت عاجزة عن توفير أرقام مدققة ونهائية عن ايرادات ونفقات موازنات 2023 و2022 و2021.
وبالرغم من محاولات توحيد معايير رفع الرسوم والضرائب وفقاً لارتفاع الصرف ومؤشر الاستهلاك (التضخم) بقيت هناك فروقات كبيرة. وجاء في تقرير اللجنة «أنّ الأسعار تراوح بين 1500 ليرة للدولار و89 ألف ليرة». وبالرغم من جهود توحيد المضاعفات (لمجاراة ارتفاع صعود الدولار) عند 46، بقيت هناك اختلافات (من 10 الى 60 فأكثر) في معايير رفع الكثير من الرسوم والضرائب.
وفي المضمون تعتبر موازنة 2024 استمراراً للموازنات السابقة، أي من دون إصلاح ضريبي حقيقي، إذ لم تأخذ وزارة المالية بتوصيات صندوق النقد الدولي على هذا الصعيد، ما دفع بمصدر معني للقول: «ما زلنا على «طمام المرحوم»، فإنّ معظم الايرادات تأتي من ضرائب ورسوم على العموم. للمثال لا تشكل الضريبة على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال أكثر من 7,2% مقابل 67% من الرسوم الداخلية على السلع والخدمات والرسوم على التجارة والمبادلات الدولية (اي الجمارك وضريبة القيمة المضافة ورسوم الاستهلاك وغيرها) وضريبة الأملاك المبنية. ما يعني أنّ معظم الإيرادات تأتي من العموم (مختلف الشرائح بلا تمييز) ونسبة قليلة من المقتدرين! وترتفع كثيراً النسبة فوق 67% إذا أضيفت اليها عشرات الرسوم الأخرى التي تقع على كاهل عموم اللبنانيين من دون تمييز بين مقتدر ومتوسط الحال وفقير. وذلك بسبب عدم اعتماد التصاعدية على أكمل وجه.
على صعيد آخر، تكاد لا تذكر النفقات الاستثمارية، ولا سيما تلك الخاصة بالصيانة والبنى التحتية، ما يجعل الموازنة تشغيلية فقط للإنفاق الجاري والاستهلاكي والرواتب. وتحت بنود مشاريع البرامج تأجلت اعتمادات استثمارية كثيرة الى ما بين 2025 و2028.
وأضاف المصدر المعني: «على سبيل المثال، لم تحصل وزارة الأشغال إلا على 17% من حاجتها، وهي محظوظة جداً، لأنّ وزارات أخرى حصلت على أقل من هذه النسبة بكثير».
ويجزم المصدر بأنّ الموازنة عاجزة في حقيقة الأمر، إذ هي تخلو من نفقات كثيرة أخرى مثل 1,7 مليار دولار ثمن نفط من العراق لا يعرف لبنان حتى الآن كيف سيسددها.
أما على صعيد سعر الصرف، فكان حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، قال إن ذلك منتظر في مشروع موازنة 2024 ليبنى على الشيء مقتضاه، فإذا بلجنة المال والموازنة تردّ عليه متنصلة من ذلك، معيدة الكرة الى مصرف لبنان المعني وصاحب الصلاحية في تحديد سعر الصرف وليس المجلس النيابي.
وكان لافتاً في تقرير لجنة المال والموازنة اتهام حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بأنه مارس الزبائنية في منح القروض الانمائية (المدعومة) وبقرارات تفرّد بها وحده دون غيره، فضلاً عن اتهام مصرف لبنان بأنه شريك كامل للحكومة في مخالفة أحكام القانون الخاص بفتح حسابات مصرفية حكومية.