موازنة 2026: ماذا لو مرّ مشروع الحكومة بمرسوم؟

لغاية هذه اللحظة، لم تبدأ مناقشة موازنة العام 2026 تحت قبّة البرلمان، رغم إقرار مشروع قانونها في الحكومة منذ 22 أيلول الماضي، وإحالتها إلى لجنة المال والموازنة بتاريخ 8 تشرين الأوّل. الأكيد حتّى هذه اللحظة، هو أنّ لجنة المال والموازنة ستباشر عقد جلسات متتالية لهذه الغاية ابتداءً من يوم الإثنين المقبل، من دون أن يتّضح حتّى الآن سبب المراوحة والتأجيل الذي جرى طوال الأسابيع الماضية.

ما يجدر الالتفات إليه اليوم، هو أنّ المماطلة في مناقشة الموازنة وتعديلها وإقرارها في البرلمان، ستعني تمرير مشروع القانون كما هو الآن، بموجب بمرسوم من قبل الحكومة. وهذا السيناريو هو بالضبط ما جرى سابقاً بالنسبة لموازنة 2025، التي أقرّتها الحكومة هذه السنة بموجب مرسوم، بعدما فشل مجلس النواب في مناقشتها وتعديلها ضمن المواعيد الدستوريّة. فالمادّة 86 من الدستور تسمح بتمرير الموازنة بموجب مرسوم في هذه الحالة، طالما أنّ الحكومة أحالتها للبرلمان قبل 15 يوماً على الأقل من موعد بدء عقد تشرين الأوّل العادي. وهذا الشرط متحقّق اليوم.

لماذا لو فشل البرلمان، بفعل التسويف والمماطلة، في مناقشة الموازنة وتعديلها؟ ماذا سيمرّ عندها في مشروع الحكومة، لو تمّ إقراره بمرسوم؟ وما هي الأمور التي يمكن تحسينها، في المناقشات البرلمانيّة؟ أربعة منظمات غير حكوميّة، هي كلنا إرادة والمفكرة القانونيّة والجمعيّة اللبنانيّة لحقوق المكلفين ومبادرة سياسات الغد، أعدّت ورقة لتلخيص أبرز المؤشّرات التي يمكن استخلاصها من مشروع قانون الموازنة، فضلاً عن الثغرات التي يمكن تحسينها.

البنية العامّة للموازنة

وفقاً للورقة، ارتفع مجمل النفقات في مشروع قانون موازنة العام 2026 إلى حدود 5.97 مليارات دولار أميركي، وهو ما يزيد بنسبة 20% عن مثيلها في موازنة العام 2025، والتي لم تتجاوز الـ 4.97 مليارات دولار. كما تُعتبر ارتفاعاً بنحو ملياريّ دولار أميركي، بالمقارنة مع النفقات الفعليّة التي جرى تسجيلها طوال العام 2024. وتجدر الإشارة إلى أنّ حجم النفقات لم يكن يتجاوز 5.65 مليارات دولار أميركي بحسب المسودّة الأولى التي طرحتها وزارة الماليّة، قبل أن ترتفع القيمة لاحقاً خلال المناقشة في مجلس الوزراء.

ورغم اتّساع حجم الإنفاق في الموازنة، ما زالت الأرقام خجولة مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة. فهي لا تعادل سوى ثلث النفقات الحكوميّة المخصّصة بموجب موازنة العام 2019، وهو ما يعني أنّ البلاد ما زالت بعيدة عن استعادة دور القطاع العام المعهود قبل العام 2019. وبطبيعة الحال، ترتبط هذه المسألة بعدّة عوامل: مثل انخفاض الجبايات الضريبيّة بعد اتّساع نطاق الاقتصاد النقدي، فضلاً عن انخفاض حجم الاقتصاد اللبناني نفسه، وعدم قدرة الدولة على الاقتراض لتمويل الإنفاق بعد التخلّف عن دفع سندات اليوروبوند.

أخيراً في ما يخص البنية العامّة للموازنة، تقدّر وزارة الماليّة أن يرتفع حجم الإيرادات العامّة إلى قرابة 5.97 مليارات دولار أميركي العام المقبل، وذلك بالاستناد إلى الارتفاع المُحقّق في الجباية الضريبيّة هذه السنة. ومن المعلوم أنّ جبايات هذه السنة الضريبيّة شهدت ارتفاعاً كبيراً في مجال الرسوم الجمركيّة، بعد الإجراءات الأمنيّة الجديدة التي جرى فرضها على المنافذ البحريّة والجويّة، ما قلّص من مستويات التهريب.

ملاحظات في الشكل

في الشكل، ثمّة أمور إيجابيّة وسلبيّة يمكن الالتفات إليها. إذ يسجّل للحكومة أولاً حرصها على إعداد الموازنة وفق المواعيد الدستوريّة، وهو ما سيسمح باعتماد الموازنة حتّى لو لم يتم إقرارها في البرلمان، ما يجنّب لبنان العودة إلى نموذج الإنفاق على قاعدة الإثني عشريّة. كما يُسجّل لها عدم تضمين الموازنة كتلة كبيرة من “فرسان الموازنة”، أي البنود التي يجري تهريبها تحت عنوان الموازنة لتجنّب مناقشتها في إطار تشريع خاص.

لكن في المقابل، يُسجّل كذلك نقطة سلبيّة، وهي عدم احترام المادّة 87 من الدستور، التي تفرض إصدار قطع حساب عن السنة المنصرمة، قبل إقرار موازنة العام المقبل. كما تجاهلت الموازنة بعض النفقات والمتأخرات التي تراكمت من فترات سابقة، والتي يقتضي لحظها، مثل فاتورة الفيول العراقي أو المشاريع المرتبطة بقروض البنك.

هذه الثغرات، هي تحديداً ما قصده صندوق النقد في البيان الذي تلى زيارة بعثته إلى لبنان، والذي طالب بإعداد موازنة شفّافة تلحظ كامل النفقات والإيرادات المتوقّعة. وتعديل الموازنة في المجلس النيابي، للحظ النفقات، سيتطلّب تنسيقاً مع وزارة الماليّة، لتعديل نص مشروع القانون بالاتفاق مع الحكومة.

أمور غائبة عن النفقات

في التفاصيل، يمكن لحظ جملة من المسائل الغائبة عن النفقات المقرّرة في الموازنة، وفي طليعتها الاعتمادات التي كان يجب تخصيصها للتعامل مع تبعات الحرب الإسرائيليّة على لبنان. وعلى هذا الأساس، في حال عدم تعديل الثغرة، ستبقى مسألة إعادة الإعمار مرهونة بقروض البنك الدولي، التي لم تلحظ الموازنة وجودها أساساً، فضلاً عن مؤتمرات الدعم الخارجي.

ثمّة إشكاليّات ترتبط بالموازنة المخصّصة للجيش اللبناني، التي تقارب 1.08 مليار دولار أميركي، منها 4% فقط للصيانة والتجهيز. وهذا ما يقلّ بأشواط عن حاجات الجيش الفعليّة، التي تشمل حالياً بسط سيادة الدولة على كامل المنطقة الممتدّة جنوب نهر الليطاني، وعلى الحدود اللبنانيّة السوريّة. وهنا، يبدو أنّ الحكومة تراهن مجدداً على مؤتمر الدعم، الذي يفترض أن ينعقد للمساهمة في تجهيز الجيش، وهو ما قد يعوّض عن غياب الاعتمادات الحكوميّة اللازمة لهذا الغرض.

أخيراً، تبقى الإشكاليّة الأهم ضآلة الإنفاق الاجتماعي في الموازنة، الذي حُصر بـ 55 مليون دولار أميركي لتمويل برنامج أمان، و14 مليون دولار أميركي للبرنامج الوطني لتأمين حقوق ذوي الإعاقة. وفي ما يخص القطاع الصحي، لم تشمل مخصصاته سوى 478 مليون دولار، سيُستهلك 60% للاستشفاء، ما يغيّب الإنفاق على الرعاية الوقائيّة والخدمات الصحيّة الأوليّة.

فوائض لا تُستخدم

الورقة تعيد التذكير بحجم الفوائض التي تحققها الحكومة، والتي تتراكم في ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان، حيث بلغت الزيادة قرابة 2.6 مليار دولار أميركي، فيما الدولة ما زالت غير قادرة على توجيه الإنفاق نحو أولويّاتها. وحتّى اللحظة، لم يتبيّن بعد مصير هذه الفوائض المتراكمة، لجهة كيفيّة استخدامها في المستقبل، إذ ما زالت الخيارات تتراوح ما بين صرفها على سداد فاتورة النفط العراقي، أو خدمة الدين العام للدائنين من المؤسّسات الدوليّة، أو تسديد فوائد حقوق السحب الخاصّة التي استخدمها لبنان.

أخيراً، يبقى من المهم الإشارة إلى بعض الثغرات البنيويّة التي لا يمكن تصحيحها إلا بخطط متوسّط الأجل. ومنها هيمنة النفقات الجارية على 89% من الإنفاق العام، فيما لا يُخصّص سوى 11% للنفقات الاستثماريّة. ولهذا السبب، ظلّت النفقات المطلوبة لصيانة وإنشاء البنى التحتيّة محدودة للغاية، ما سيبقى عائقاً أمام أي خطّة جديّة للنهوض الاقتصادي. أمّا الإيرادات، فظلّت متركّزة في الضرائب غير المباشرة، التي تصيب جميع المقيمين بمعزل حجم الدخل، مقابل محدوديّة الضرائب المباشرة، وهذا ما يستلزم تصحيحاً جذرياً في السياسة الضريبيّة على المدى البعيد.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةبين تحديث حجم الأضرار والتعقيدات الأمنية… الإعمار مؤجل
المقالة القادمةالبنوك المركزية تقترب من أطول سلسلة شراء ذهب