على خلاف العادة في مثل هذا الوقت من السنة، لا يزال أحمد سويدان، ابن منطقة مرجعيون، يستمهل أسرته تركيب «جواق» (مدفأة) الحطب، خوفاً من استهلاك ما استطاع جمعه من الحطب قبل أن يحلّ البرد الشديد، ولا يعود قادراً على شرائه من «تجار الأزمات»، كما يصفهم. يتمنى أحمد أن «تتأخر موجات الشتاء الباردة، حتى تتضاءل الأيام التي قد نضطرّ فيها إلى إشعال مواقد التدفئة».
أمنيات أحمد، وسلوكه، ينسحبان على معظم أبناء المنطقة الحدودية في قضاءيْ بنت جبيل ومرجعيون، والتي يزيد متوسط ارتفاعها عن سطح البحر 700 متر. لكن «ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه»، إذ يبدو أن «الأيام القادمة سوف تلزم الجميع بتركيب مواقد التدفئة، فأيام البرد بدأت فعلاً»… وبدأت الشكوى.
مناشير الخشب
قبل سنوات قليلة، كانت مواقد المازوت هي ملاذ معظم أبناء المنطقة، فيما تحلّ مواقد الحطب في الدرجة الثانية. بيد أن اللافت هذا العام هو تراجع تجارة بيع مواقد المازوت، بسبب الارتفاع الكبير في سعر صفيحة المازوت، لتطغى عليها تجارة مواقد الحطب… رغم ندرة الحطب الموجود في المنطقة.
«حركة بيع مواقد التدفئة قليلة حتى الآن، وخاصة في ما يتعلق ببيع مواقد المازوت، فأغلب الأهالي يفضلون شراء مواقد الحطب»، يؤكد أحد كبار تجار المنطقة في بنت جبيل، لافتاً إلى أن «نسبة بيع مواقد الحطب ارتفعت بما يزيد على 80% على حساب بيع مواقد المازوت، حتى إن العديد من الأهالي أصبحوا يشترون المناشير العاملة على الكهرباء والبنزين لقطع الأخشاب». ويبرّر التاجر محمد حيدر الأمر بأن «معظم المقيمين في المنطقة هم إما من الموظفين الذين لا تزيد رواتبهم على 100 دولار أميركي، أو من المزارعين الذين لم تعد تكفي محاصيلهم لسدّ النفقات التي يتكبدونها على زراعة حقولهم».
ويؤكد أحد تجار مرجعيون أن «الفقراء والميسورين يتنافسون على شراء مناشير الحطب العاملة على الكهرباء والبنزين، ورغم ارتفاع ثمنها بسبب ارتفاع سعر الدولار».
بحثاً عن الحطب… مجاناً
ينعكس الأمر على الثروة الحرجية، إذ يوضح المزارع حسن حدرج أن «الأهالي يقصدون الحقول المزروعة بالأشجار، ويتنافسون على أخذ الحطب اليابس منها، لكن المخيف أن يبدأ الأهالي بقطع أشجارهم بسبب ارتفاع ثمن الحطب والمازوت».
في محميّة الحجير المليئة بأشجار السنديان والبلوط المعمّرة، يتسلل العديد من أبناء المنطقة بين الأشجار الجرحية، يقطعون ما تيسّر لهم من الأغصان والجذوع المخفية عن الأنظار ويحملونها بسياراتهم الى منازلهم. يبرّر أحد المزارعين «لا بديل لنا من جمع الحطب المجّاني هذا الشتاء، لأننا غير قادرين على شراء المازوت والحطب، وحتى الآن لم تقم أي جهة بتقديم يد العون أو تأمين البديل».
فقد ارتفع ثمن متر الحطب هذا العام إلى 150 دولاراً، وقد يزيد عن ذلك بحسب نوعه، علماً أن حاجة الأسرة الواحدة في فصل الشتاء تزيد على 4 أمتار من الحطب، أي ما يزيد على 600 دولار. يقول حسين قشمر «لم يكن ثمن متر الحطب يزيد عن 250 ألف ليرة».
إذاً، لم تعد مواقد الحطب خياراً عند أبناء المنطقة، بل «حاجة إلزامية لمعظم العائلات المقيمة التي تعتاش من الزراعة أو الوظيفة، باستثناء عائلات بعض المغتربين والتجار» بحسب حسن عليان، الذي بات عمله في جمع الحطب مضافاً إلى عمله في الزراعة. أما تجار الحطب فينتشرون بكثرة في القرى، وبعضهم عرض الحطب للبيع على مواقع التواصل الاجتماعي!
المياه الساخنة
ولتوفير المياه الساخنة، في ظلّ استمرار انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع بدلات اشتراكات المولدات الكهربائية الخاصة، يقبل الأهالي على شراء السخانات العاملة على الغاز رغم أسعارها المرتفعة (150 دولاراً)، ورغم خطورتها. فقد تسبّبت خلال الأشهر الماضية بإصابة عدد من الأهالي بحالات اختناق بسبب وجود قوارير الغاز داخل حمامات منازلهم، لذلك يحاول الميسورون تركيب هذه السخانات خارج المنزل وتأمين إمدادات المياه الساخنة منها إلى داخل منازلهم، فيما لجأ عدد من الأهالي الى استخدام السخانات العاملة على الحطب، أو المازوت، كلّ بحسب إمكاناته المتوفرة.