دخلت مجموعة من منظمات المجتمع المدني والنقابات اللبنانية في جولة أخرى من معركة استرداد الودائع المجمدة لدى البنوك في ظل عدم اكتراث السلطات بحل هذه المشكلة جذريا بينما تشكو الدولة من أسوأ أزمة مالية على الإطلاق.
وأطلق تجمع استعادة الدولة ومجموعة الشعب يريد إصلاح النظام وجمعية المودعين اللبنانيين مبادرة للضغط على الحكومة والسلطات النقدية لحثها على إعادة النظر في القيود المفروضة على سحب الودائع رغم قيام مصرف لبنان المركزي بتخفيفها قبل أشهر.
ومنذ بداية الأزمة في أواخر 2019 جمدت البنوك ودائع المودعين ومنعت تحويل النقود للخارج. ورفع مودعون دعاوى قانونية متهمين البنوك بالإهمال والاحتيال وسط مخاوف من تبدد مدخراتهم، لكن البنوك نفت ارتكاب أي مخالفات وأكدت مرارا أن الودائع في أمان.
وعمقت الإجراءات التي فرضتها السلطات لمكافحة الجائحة الأزمة القائمة في بلد يشهد فيه المودعون تهاوي قيمة مدخراتهم بسبب ارتفاع الأسعار وضعف العملة المحلية وفرض قيود وصلت في بعض الأحيان إلى السماح بسحب 100 دولار في الأسبوع فحسب.
وفرضت البنوك طيلة أشهر قيودا متصاعدة على سحب الأموال، حيث لا يمكن للزبائن في بعض البنوك سحب أكثر من 800 دولار شهريا.
وامتدت القيود بعد ذلك حتى على سحب الليرة التي يشكل فك ارتباطها بالدولار كابوسا للمسؤولين نظرا لكونها شريان الحياة بالنسبة إلى نشاط البنوك.
ولا يمكن لأصحاب الودائع بالدولار إجراء سحوبات نقدية إلا بتحويلها إلى الليرة وبسعر صرف أدنى بكثير من المتداول به في السوق السوداء.
وطرح حسن مغنية رئيس جمعية المودعين اللبنانيين مبادرة تتمحور حول تحرير 10 في المئة من أموال المودعين من خلال تحقيق هدف مزدوج يتمثل في تنشيط قطاع الصناعة والحد من مستويات البطالة المرتفعة.
ونسبت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إلى مغنية قوله إن “إقامة معامل صناعية في أراضي الدولة حيث المشاعات الكثيرة سيستفيد منها القطاع وستعيد أموال المودعين وتخلق فرص عمل للشباب”.
وتأتي الضغوط في الوقت الذي واصلت فيه العملة المحلية تراجعها إلى مستوى منخفض جديد مقابل الدولار الخميس وسط حالة من الشلل بالحكومة مع تفاقم الانهيار المالي في البلاد.
وقال عدد من صرافي العملات في بيروت لرويترز إن قيمة العملة المحلية بلغت حوالي 24.2 ألف ليرة للدولار، متراجعة لما دون أدنى مستوى على الإطلاق عند 24 ألفا المسجل في يوليو الماضي.
وفقدت العملة الآن أكثر من 93 في المئة من قيمتها منذ صيف 2019 عندما بدأت الانفصال عن سعر الصرف البالغ 1500 ليرة للدولار الذي كانت مربوطة عنده منذ 1997.
وفي مايو الماضي أطلق المركزي آلية تسمح لأصحاب الحسابات البنكية بالعملات الأجنبية بأن يسحبوا بصورة تدريجية وبالدولار جزءا من أموالهم العالقة في بنوك منذ خريف 2019 على أن تكون بشرط حصولهم على التغطية القانونية اللازمة.
وقال حينها إنّه يفاوض البنوك بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها بتسديد تدريجي للودائع بحيث يمكن المودعين من صرف 25 ألف دولار من أموالهم على دفعات التي كانت قائمة قبل السابع عشر من أكتوبر 2019.
ورغم تلك التطمينات إلا أن الخبراء يرون أنها تبدو خطوة منقوصة بالنظر إلى حجم الضرر الذي تعرض له معظم اللبنانيين خاصة مع تدحرج قدرتهم الشرائية بشكل غير مسبوق نتيجة ارتفاع الأسعار في السوق المحلية.
وقال الخبير الاقتصادي اللبناني حسن خليل “كنا قد حذرنا المسؤولين منذ 2009 من وقوع كارثة اقتصادية ووصلنا إليها، كان الجواب من جميع المعنيين في السلطة إننا ذاهبون إلى الانهيار”.
وأضاف “اليوم يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إن قضية المودعين لن تموت، ويقول رئيس مجلس النواب نبيه بري الودائع محفوظة، ويقول رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي لديك خياران، إما أن نعطيكم جزءا من الوديعة أو الانتظار بعد 20 عاما”.