«موديز» تخفّض تصنيف تركيا الائتماني وتتوقع أزمة في المدفوعات

خفضت وكالة التصنيفات الائتمانية الدولية «موديز» التصنيف الائتماني لتركيا من «بي 1» إلى «بي 2»، مع نظرة مستقبلية «سلبية»، قائلة إن نقاط الضعف الخارجية للبلاد ستتسبب على الأرجح في أزمة في ميزان المدفوعات، وإن مصداتها المالية آخذة في التناقص.

وأضافت «موديز»، في بيان أصدرته ليل الجمعة الماضية، أنها قامت بمراجعة لتصنيف تركيا، لافتة إلى أنه «مع تزايد المخاطر التي تهدد الوضع الائتماني لتركيا، يبدو أن مؤسسات البلاد لا تنوي أو لا تقدر على التعامل بشكل فعال مع هذه التحديات».

وحددت الوكالة الدولية 3 عوامل رئيسية تلعب دوراً في خفض التصنيف الائتماني لأي دولة؛ وهي المخاطر السياسية وميزان المدفوعات، والمخزون المالي، والملف الائتماني.

وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت «موديز» أن الاقتصاد التركي سيتعرض لانكماش حاد خلال العام الجاري، بسبب أزمة وباء فيروس كورونا، ولم تحدد نسبة الانكماش، إلا أنها سبق وأعلنت، مطلع الشهر ذاته، أنه سينكمش بنسبة 5 في المائة، وهو ما يتناقض مع تصريحات المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم وزير الخزانة والمالية برات البيراق، الذي أعلن أن «الاقتصاد سيحقق نمواً كبيراً بحلول نهاية العام يزيد على 5 في المائة».

ولفتت «موديز» إلى أن التضخم في تركيا يواصل الارتفاع، فبالرغم من أن الأسواق المالية حققت استقراراً مؤقتاً خلال عام 2019، فإن مخاوف جديدة ظهرت فيما يتعلق بالشفافية والسياسات أفسدت هذا الاستقرار، وأدت إلى تراجع احتياطات النقد الأجنبي وزيادة شراء المواطنين للعملات الأجنبية، ما أسهم في هبوط كبير لليرة التركية التي يجري تداولها حالياً عند مستوى قياسي يقترب من 7.50 ليرة للدولار.

وحذرت الوكالة من أن تركيا قد تتعرض لأزمة ضخمة في سعر صرف العملة تفوق الأزمة التي شهدتها عام 2018، وقد يؤدي الأمر إلى حدوث ظروف مالية صعبة للغاية. ولم تعلن «موديز» تحديثها للتصنيف الائتماني لتركيا، الذي كان مقرراً في 5 يونيو (حزيران) الماضي.

أظهرت بيانات من وزارة التجارة أن العجز التجاري التركي قفز 170 في المائة، إلى 6.31 مليار دولار في أغسطس (آب)، إذ جعلت انخفاضات غير مسبوقة في قيمة الليرة المواطنين يهرعون إلى شراء الذهب، وعلى خلفية مخاوف حيال نضوب عملات الاحتياطيات الأجنبية.

وقالت «موديز» إن احتياطيات تركيا تتجه نحو النزول منذ سنوات، لكنها الآن عند مستوى هو الأقل في عقود كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بسبب محاولات البنك المركزي غير الناجحة للحفاظ على تماسك الليرة منذ بداية العام.

وأبقت «موديز» على النظرة المستقبلية للبلاد عند «سلبية»، عازية ذلك إلى زيادة مستويات المخاطر الجيوسياسية التي قد تسرع وتيرة أي أزمة، مثل علاقتها بالولايات والاتحاد الأوروبي والتوتر في شرق البحر المتوسط.

وزادت حدة التوتر في الأسابيع الأخيرة بين تركيا واليونان، العضو في الاتحاد الأوروبي، بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط. وفي نهاية أغسطس، انتقد الاتحاد الأوروبي تركيا بشدة بعد إعلانها تمديد أعمال التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط قبالة سواحل قبرص حتى منتصف سبتمبر (أيلول) الجاري.

وكشفت بيانات وأرقام اقتصادية تركية رسمية، عن ضعف تركيا في العلاقات الاقتصادية مع دول أوروبا (الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو)، والتي قد يلجأ إليها التكتلان حال إصرار الرئيس رجب طيب إردوغان على التدخل «غير الشرعي» في مياه شرق المتوسط.

وتعد دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لتركيا، تاريخياً، وبإمكان الاتحاد اللجوء إلى ورقة التجارة في حال تعنت تركيا ورفضها الامتثال للتوصيات الأوروبية بشأن تراجع سفنها للتنقيب إلى مياهها الإقليمية.

وبلغ إجمالي صادرات تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في الأشهر السبعة الأولى من العام 37 مليار دولار، تشكل نسبة 41.1 في المائة من إجمالي الصادرات التركية إلى مختلف أنحاء العالم البالغة 90 مليار دولار.

وبإمكان الاتحاد الأوروبي الضغط بالتوقف عن التصدير وبخاصة للسلع الرئيسية نحو تركيا، إذ بلغت واردات تركيا من دول الاتحاد في الأشهر السبعة الأولى من العام، نحو 37.6 مليار دولار، وفق بيانات معهد الإحصاء التركي.

وتستطيع دول الاتحاد الأوروبي، من خلال البنك المركزي الأوروبي، فرض قيود على حركة النقد الأجنبي بين البنوك التركية والبنوك المراسلة الأوروبية، كإحدى أدوات الضغط على تركيا للتراجع عن خطواتها «الاستفزازية» في شرق المتوسط.

ويقول الخبراء إن الخطوة الأوروبية في حال تنفيذها، فإن الليرة التركية ستهبط إلى قاع جديد أعمق من 7.5 ليرة للدولار المسجل حالياً. وتواجه تركيا واحدة من أعقد أزماتها النقدية الناجمة عن شح النقد الأجنبي ممثلاً بالدولار الأميركي واليورو الأوروبي محلياً.

ويؤكد مراقبون أن توجهات الرئيس التركي تسببت في خسارة تركيا مكاسبها الاقتصادية، التي حققتها منذ 2002، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مقابل استفادة اليونان وتقاربها مع الدول العربية المعتدلة.

وتوضح بيانات معهد الإحصاء التركي الصادرة عام 2019 أن عجز الطاقة في تركيا بلغ أكثر من 41 مليار دولار، وهو رقم ترى أنه يمكنها توفيره حال السيطرة بشكل غير مباشر على صناعة النفط الحالية والمتوقعة في ليبيا، التي وقعت مع حكومة الوفاق الليبية في طرابلس مذكرة تفاهم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لتحديد مناطق الصلاحية في البحر المتوسط. وأطلقت معها مباحثات للتنقيب عن النفط والغاز براً وبحراً.

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةاقتصاد بريطانيا يعوّض نصف «انهيار كوفيد ـ 19»
المقالة القادمةصفقة منتظرة بـ40 مليار دولار في قطاع صناعة الرقائق