«موديز»: قلقون من تخلّف لبنان عن سداد الدَّين

 

 

«موديز» قلقة من ضعف نموّ الودائع وتباطؤ التدفقات النقدية «ما يزيد من مخاطر استجابة الحكومة لهذا الأمر عبر إعادة هيكلة الدَّين العام أو اتخاذها تدابير أخرى شبيهة لا يمكن فهمها، وفق معايير موديز، إلا على أنها تخلّف لبنان عن سداد ديونه»

خلال الأسبوع الماضي، تلقى الكثير من حملة سندات اليوروبوندز الأجانب اتصالات من وكالتي التصنيف «موديز» و«ستاندر أند بورز» اللتين عبّرتا عن قلقهما من المؤشرات النقدية المتعلقة بضعف تدفق الرساميل إلى لبنان وإمكان قيام الحكومة بعملية إعادة هيكلة تدفعهما إلى اعتبار لبنان متخلفاً عن سداد ديونه. هذه الرسائل أثارت القلق بين المستثمرين الأجانب، ما دفع بعضهم إلى التخلّص من السندات التي يحملها سريعاً، ما ضغط على الأسعار ورفع هوامش الفائدة وكلفة التأمين على السندات… هذا الكلام على ذمّة عاملين في السوق المالية، أكّدوا أن مصرف لبنان تمكن من تهدئة الأسواق عبر شراء السندات بأسعارها المتدنية.

أمس توّجت «موديز» تحذيراتها للمستثمرين، بإصدار تقرير عن نظرتها المستقبلية للبنان، تشير فيه إلى أن تصنيف لبنان بدرجة (Caa1) وبنظرة مستقرّة ناجم عن دين عام كبير بلغ 138% من الناتج المحلي الإجمالي (احتساب نسبة الدَّين إلى الناتج تستثني 11.6% من الدين المحمول من المؤسسات العامة مثل الضمان الاجتماعي)، ويعكس أيضاً أن مدفوعات الخزينة للفائدة (خدمة الدَّين) باتت توازي 46.9% من الإيرادات الحكومية، وهذا من أعلى التصنيفات في العالم. ورغم أن «مشروع موازنة 2019 تضمن تدابير مالية أساسية، إلا أن تباطؤ التدفقات إلى لبنان وضعف نموّ الودائع يزيدان المخاطر من أن تتضمن استجابة الحكومة لهذا الأمر عملية إعادة هيكلة للدَّين العام أو أي تدابير أخرى شبيهة لا يمكن تفسيرها وفق معايير الوكالة إلا على أنها تخلّف عن السداد».

هذه الخلاصة التي وردت في تقرير أصدرته «موديز» أول من أمس، جاءت بالاستناد إلى دراسة عوامل أساسية ضرورية للتصنيف: القوة الاقتصادية، متانة المؤسسات، العجز المالي، القدرة على تجنّب المخاطر. لذلك، إن «أي تهديد مباشر ووشيك يؤدي إلى خفض أولي للتصنيف».

تقول «موديز» إن التحويلات من الخارج كانت تغذّي قطاع العقارات والخدمات المالية والسياحة «هذه القطاعات ذات القيمة المضافة المتدنية تدعم الاستهلاك ذات الطبيعة التركزية في الاقتصاد اللبناني الذي يتّسم بفجوة كبيرة في الادخار الداخلي ويعتمد على المصادر الخارجية لتمويل الاستثمارات».

هذا المشهد يأتي في ظل اقتصاد صغير نسبياً، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 57 مليار دولار «والنموّ الاقتصادي تراجع بشكل ملحوظ منذ 2010 بسبب تراجع السياحة وانغلاق مسارب التصدير الرئيسية عبر سوريا، وانهيار أسعار النفط الذي أدّى إلى ضعف التحويلات من الخليج، وارتفاع أعداد النازحين السوريين، ما أثقل سوق العمل والبنية التحتية».

وتتوقع الوكالة تعافياً بسيطاً في التحويلات من الخارج بمعدل 0.8% في 2019، وذلك «في حال حصول لبنان على أموال «سيدر» بعد إقرار موازنة 2019»، مشيرة إلى تراجع في مصادر التمويل الخارجية. «فالتحويلات من الخليج تراوح بين 20% و25% من صادرات لبنان، ويعمل 330 ألف لبناني في دول الخليج وتحويلاتهم تمثّل ما بين 30% و40% من مجمل تحويلات المغتربين إلى لبنان. في عام 2017 كانت تحويلات المغتربين تمثّل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 25% في عام 2004، وهي مصدر رئيسيّ لدخل الأُسَر اللبنانية التي تتلقى هذه التحويلات النقدية وتنفقها». السياح الخليجيون يمثّلون شريحة مهمة أيضاً من الدخل الذي يعتمد عليه لبنان، والاستثمارات الأجنبية المباشرة في غالبيتها من دول الخليج أيضاً «حصّة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 5%، وغالبيتها تأتي من الإمارات العربية والكويت والسعودية التي تمثّل 76% من مجمل الاستثمارات بين 2003 و2015. أكثر من نصف حصّة الدول العربية من هذه الاستثمارات مركّزة في القطاع العقاري و30.6% في القطاع السياحي».

إلى جانب هذا التقييم الاقتصادي، يضع التقييم السياسي لبنان في مخاطر مرتفعة، وتقييم المؤسسات في لبنان في مستوى «متدنٍّ جداً»، والمخاطر المصرفية مرتفعة أيضاً. أما فعالية مصرف لبنان في إجراء العمليات المالية الاستثنائية، فهي محدودة على المدى القصير «طالما استمرّ العجز الداخلي والعجز الخارجي يثقلان بنيوياً على احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية». وهذه العمليات تأتي أيضاً مع «كلفة مرتفعة تنعكس سلباً على تدهور الاحتياطات وتكبّد مصرف لبنان المزيد من الخسائر في ميزانيته… فضلاً عن ضعف الاستقلالية في مصرف لبنان (لكونه أصبح المقرض الأكبر للدولة) يزيد مخاطر تدهور الثقة».

أياً يكن الحال، فإن ما يقوم به مصرف لبنان لجهة ما يتردّد عن مشاركته مع المصارف بإصدار سندات خزينة بقيمة 11 ألف مليار ليرة وبفائدة 1% «لا يمثّل شفاءً للدين». ففي رأي الوكالة، إن «مسار الدين العام لا يزال يشكّل تحدياً، واستبدال السندات القديمة ذات الفائدة المرتفعة، بسندات فائدتها منخفضة، غير كافٍ لتعديل مسار الدَّين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة السوقية. هذه العملية ستخفف من ثقل الدَّين ولا تعدّل مساره». وتشير الوكالة إلى أن القدرة على سداد الدين تتدهور، وبالنظر إلى تحديات العجز في الموازنة، فإن «التصنيف الحالي يعكس مخاطر متزايدة من أن تكون استجابة الحكومة على شكل إعادة هيكلة أو إجراءات شبيهة تتضمن تخلفاً عن السداد وفق مفهوم موديز».

«فيتش» تشكّك

كذلك أصدرت وكالة «فيتش» تقريراً شككت فيه بقدرة الحكومة على تنفيذ الإجراءات المقترحة في مشروع موازنة 2019، متحدّثة عن إصلاحات إضافية يجب القيام بها لإبقاء الاستقرار في نسبة الدَّين إلى الناتج. ورأت الوكالة أن «اقتراح الحكومة إصدار سندات خزينة بفائدة مخفضة يعكس ضعف قدرتها على خفض النفقات. والوضع الخارجي للبنان لا يزال صعباً ويضغط على احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية التي تراجعت في الأشهر الأربعة الأولى من السنة إلى جانب التراجع في ودائع المصارف التي تراجعت 0.7%».

مؤشرات التخلف عن السداد

قالت «بلومبرغ» إن سندات اليوروبوندز اللبنانية دخلت في مساحة شديدة التوتر بسبب تأخر إقرار الموازنة وارتفاع منسوب التوتر في المنطقة، ما يعقّد مواجهة الأزمة المالية في البلاد. وظهرت مؤشرات إضافية على هذا التوتر، على مسار تداولات السندات، إذ إن تلك التي تحمل آجالاً قصيرة المدى سجلت ارتفاعاً في هوامش الفائدة أعلى من تلك التي تحمل آجالاً أطول. بعض السندات ارتفع هامش العائد عليها أكثر من نقطة كاملة، وخسرت أكثر من 1.3% من قيمتها في غضون شهر، لتصل، بحسب بلومبرغ، إلى أسوأ مستوى تسجله سندات اليوروبوندز اللبنانية في السنوات العشر الأخيرة.

الدولة اللبنانية تصدر سندات اليوروبوندز من أجل تمويل ديونها بالعملات الأجنبية، وهذه السندات، لكونها محمولة في الخارج (سواء من مستثمرين لبنانيين أو أجانب)، تخضع لقواعد دولية لجهة الإصدار والتداول في الأسواق الدولية، وبالتالي يجري بيعها وشراؤها بحسب نظرة الأسواق إليها وتقويمها لدرجة المخاطر للدولة التي أصدرتها. التخلي عن السندات اللبنانية في مثل الظروف الحالية يعني أن حامليها يرون أن المخاطر من الاستمرار في حملها أعلى من العوائد المتوقعة منها، وهذا بالضبط ما يحصل لجهة انخفاض أسعار سندات اليوروبوندز، ما يعني أن من يعرض السندات للبيع اليوم يبيعها بسعر أقل من السعر الذي اشتراها بها (يكون بالطبع قد حقق أرباحاً من فوائدها في الفترة الفاصلة بين شرائها وبيعها).

بواسطةمحمد وهبة
مصدرالاخبار
المادة السابقةالمدة المسموحة لاستعمال السمّاعات
المقالة القادمةالمتقاعدون في الشارع مجدّداً… دفاعاً عن “القجّة”