خرج موظفو المصارف اللبنانية أمس الأربعاء إلى الشارع للمرة الأولى في تاريخ عملهم المصرفي. قد يبدو المشهد للوهلة الأولى طبيعياً في ظل الهجمة التي تتعرض لها الفروع المصرفية، والاقتحامات التي يقوم بها مودعون بين الحين والآخر. فمن حق موظفي المصارف ان ينعموأ بالأمان في أماكن عملهم. ولكن بقليل من البحث تتضح الصورة أكثر، فالموظفون لم يخرجوا إلى الشارع إلا بعد تزايد منسوب القلق لديهم، من ضياع حقوقهم وتعويضاتهم وسنوات خدمتهم وتفانيهم بعملهم في القطاع المصرفي.
وليست إدارات المصارف سوى المسؤول الأول عن حفظ حقوق الموظفين، فهي تفاوض وتفصّل وتقبل وترفض أي تفصيل مرتبط بخطة التعافي، ومشروع إعادة هيكلة المصارف، ما لم يلتق ومصالحها. فهل ستلحظ حقوق موظفيها الذين ستطالهم عمليات الصرف في المرحلة المقبلة؟ هذا السؤال يتوجه به موظفو المصارف إلى الحكومة وإدارات المصارف، ولا شك أن طرح هذا السؤال ورفعه كمطلب أساسي في تحرك الموظفين بالشارع، مرده إلى قلق العاملين في المصارف من ضياع حقوقهم في زواريب الخلافات بين إدارات المصارف، التي باتت شبه علنية. فالجمعية لم تعد تلتقي على قرار موحد بأبسط الأمور، ومنها قرار الإغلاق أو العمل، فكيف بها ان تلتقي على قرار موحد حيال بروتوكول واضح للموظفين المنوي صرفهم من المصارف، تزامناً مع إعادة هيكلة القطاع.
هواجس الموظفين
خرج موظفو المصارف أمس، 12 تشرين الأول، باعتصام إلى ساحة رياض الصلح في بيروت، تحت شعار “أمن وسلامة المصرفيين خط أحمر”، شعار وإن كان محقّاً غير أنه لا يعكس هواجس الموظفين ودوافعهم من النزول إلى الشارع. فأمن الموظفين وودائع الناس ومدخراتهم أيضاً خط أحمر. وهم على يقين بأن مطالبهم في جعبة الحكومة وإدارات المصارف وليس في جعبة القوى الأمنية.
مَن يستمع لهواجس المعتصين يلتمس فوراً أن قلقهم من مصير تعويضاتهم يفوق كثيراً قلقهم على أمن الفروع المصرفية، فهم العالمون علم اليقين بأن إدارات المصارف ومعها السلطة السياسية تعمّدت وضع الموظفين بوجه المودعين، لرفع مستوى الضغوط في سبيل إقرار قانون الكابيتال كونترول وقانون إعادة هيكلة المصارف كما تشتهي المصارف.
وفي حديث لرئيس نقابة موظفي المصارف أسد خوري وعقب تأكيده على مطالبة الحكومة وأجهزتها الأمنية بتأمين استمرارية عمل المصارف بظروف طبيعية آمنة، يشدّد على ضرورة حماية حقوق الموظفين عند إعادة هيكلة المصارف ويقول لـ”المدن”، إن عمليات الصرف المقبلة، تماشياً مع خطة إعادة هيكلة المصارف، لم تلحظ أي حقوق للموظفين. وهو ما يجب أن يكون واضحاً، وهناك مشروع قانون في مجلس النواب ينصف الموظفين إلى حد ما، عند تطبيق إعادة هيكلة المصارف، لم يتم البحث به ولا إقراره.
مطالب المعتصمين
عبّر خوري عن مطالب المعتصمين المتمثّلة بتوفير بيئة آمنة لعملهم في المصارف، إلى جانب لحظ حقوقهم في مشروع إعادة هيكلة المصارف، وحسم مصير المطالب، بالقول “في حال عدم التجاوب لجهة تأمين حمايتنا ولحظ حقوقنا في مشروع إعادة هيكلة المصارف، فإننا سنتوقف عن العمل بشكل تام وكلي”.
التلويح بالتوقف التام عن العمل لا يستهدف فقط تحذير الحكومة وأجهزتها الأمنية، إنما أيضاً يستهدف بعض إدارات المصارف التي تتجاهل وضع بروتوكول موحد يحفظ حقوق المصروفين مستقبلاً.
ويقولها خوري بصراحة “إن مطالبنا متوجهة إلى الدولة وجمعية المصارف. فالجميع يتجاهل مصير الموظفين وحقوقهم حين يتم تنفيذ إعادة هيكلة المصارف. وهذا مطلب أساسي لنا”.
المطلب الثاني الذي رفعه المعتصون يرتبط بالإقتحامات و”تعريض أمنهم للخطر” على ما يقول بعض الموظفين. ويلفت خوري في حديثه إلى صعوبة تقديم الخدمات المصرفية بشكل طبيعي، بسبب القلق من أي أعمال ضد الفروع المصرفية. ويقول “لن نسمح بأن نكون عرضة للمخاطر مهما كانت الأسباب. كما لن نسمح بأن يتم احتجاز موظفينا من قبل المودعين، واتخاذنا رهائن لاسترداد الودائع. فليطالب المودعون بودائعهم بطرق اخرى بعيداً عن موظفي المصارف”.
ويختم بالتأكيد أنه “في حال حصول اي عمليات تشكل خطراً على الموظفين، وفي حال لم يسحب مشروع القانون الضامن لحقوق الموظفين من الجارور، وعدم صوغ بروتوكول يضمن حقوق الموظفين المرتقب صرفهم من المصارف، فإننا لن نسكت ولن نستمر بأعمالنا على الإطلاق”.
وكان رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف، جورج الحاج، قد أعلن في كلمة ألقاها خلال الإعتصام الذي شارك فيه العشرات من موظفي المصارف، عدم القبول بأن يكون الموظف “مكسر عصا” وأن تستباح كرامته، مؤكداً أن “التدابير الاستثنائية التي وفرتها المصارف سمحت بالحد الأدنى من تقديم الخدمات للعملاء، لكن أحداث الأسبوع الماضي، خصوصاً حادثة إطلاق النار في جبيل، جعلتنا نتقدم بإخبار لملاحقة مروجي التهديدات”. وقال: على الدولة حمايتنا.