يُعتبر قطاع الطاقة من الملفات الحيوية والمعقّدة. لذلك تحرص الدول على إيلاء إدارة هذا المرفق عناية خاصة. وخلصت غالبية التجارب إلى أن الخصخصة هي من أفضل الوسائل لضمان حُسن إدارة هذا القطاع.
تعود فكرة خصخصة قطاع الكهرباء إلى نهاية القرن العشرين، عندما بدأت ولايات أميركية عدّة تبنّي سياسات تحرير السوق لتشجيع المنافسة وزيادة الكفاءة. قبل ذلك، كان قطاع الكهرباء في الولايات المتحدة تحت سيطرة الشركات العامة التي تديرها الحكومة، ما أدّى إلى غياب المنافسة، وتراجع جودة الخدمة.
في العديد من البلدان، كانت الخصخصة في قطاع الطاقة تهدف إلى زيادة الكفاءة، وتحسين جودة الخدمة، وتعزيز الابتكار. على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، شهدت عملية الخصخصة في قطاع الطاقة منذ الثمانينات تحولاً كبيراً، حيث تمّ تحويل الشركات المملوكة من الدولة إلى شركات خاصة. هذه الخطوة أدّت إلى زيادة المنافسة بين الشركات، ما ساعد على خفض الأسعار وتحسين الخدمات المقدّمة للمستهلكين.
تُعتبر ولاية كاليفورنيا من أبرز الأمثلة على نجاح الخصخصة في قطاع الكهرباء. في عام 1996، قامت الولاية بتطبيق قانون تحرير سوق الطاقة، الذي سمح بإنشاء سوق تنافسية للكهرباء. أدّى هذا التغيير إلى زيادة في كفاءة القطاع وتحسين في جودة الخدمة للمستهلكين. وعلى الرغم من أن الولاية شهدت بعض التحديات، مثل أزمة الطاقة في عام 2000-2001، فإن التجربة أثبتت أن الخصخصة يمكن أن تساهم في تطوير البنية التحتية للطاقة وزيادة الخيارات المتاحة للمستهلكين.
تُعتبر تكساس أيضاً مثالاً ناجحاً في الخصخصة. في عام 1999، قرّرت الولاية تحرير سوق الكهرباء، بما سمح للمستهلكين باختيار مزوّدي الخدمة. هذا التغيير أدّى إلى زيادة التنافس بين الشركات، ما أسفر عن خفض الأسعار وتحسين جودة الخدمة. كذلك، شهدت الولاية زيادة في الاستثمارات في البنية التحتية للطاقة، بما في ذلك تطوير مصادر الطاقة المتجدّدة.
نماذج حول العالم
وفي دول مثل الهند، بدأت الخصخصة في قطاع الطاقة في التسعينات كجزء من سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية. وتهدف هذه الإصلاحات إلى جذب الاستثمارات الخاصة لتحسين البنية التحتية للطاقة. ومع ذلك، تواجه هذه الجهود تحديات تتعلّق بالاستدامة والعدالة الاجتماعية.
من جهة أخرى، في بعض الدول النامية، تبقى الخصخصة موضوعاً مثيراً للجدل. في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدّي الخصخصة إلى زيادة الأسعار واتّساع الفجوة بين المناطق الغنية والفقيرة، ما يجعل الوصول إلى الطاقة أمراً صعباً للفئات الأكثر ضعفاً.
في الخلاصة، يمكن أن تكون الخصخصة أداة فعّالة لتحسين قطاع الطاقة إذا نفذت بشكل مدروس، لضمان حماية حقوق المستهلكين وضمان تحقيق الأهداف التنموية على المدى الطويل.
الوضع في لبنان
في هذا السياق، يعاني لبنان منذ سنوات طويلة من أزمة كهرباء خانقة تؤثر بشكل مباشر في حياة المواطنين والاقتصاد الوطني. تتجلّى هذه الأزمة في انقطاع الكهرباء المستمر، وزيادة الفواتير، وفوضى السوق السوداء للمولّدات الكهربائية، ويتسبّب هذا الوضع في معاناة يومية لملايين اللبنانيين، ويشكّل تحدياً كبيراً للحكومة والقطاع الخاص على حدّ سواء.
النقص الحاد في إنتاج الكهرباء سببه اهتراء البنية التحتية القديمة وعدم توفر المحروقات لتشغيل محطات الكهرباء. يصل عدد ساعات انقطاع الكهرباء في بعض المناطق إلى 22 ساعة في اليوم، ما يضطرّ المواطنين إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية الخاصة. هذه الأوضاع تضرّ بالمواطنين، وتؤثر أيضاً في الأعمال التجارية والصناعية، ما يؤدّي إلى تراجع كبير في النمو الاقتصادي.
يُعتبر الفساد أحد الأسباب الرئيسية لتفاقُم أزمة الكهرباء في لبنان. وتشمل مروحة الفساد الرشاوى والمحسوبية، وصولاً إلى سوء إدارة الموارد. وتحظى الشركات المتورطة في هذا الفساد بحماية من كبار المسؤولين، ما يجعل عملية إصلاح القطاع شبه مستحيلة. وتسهم هذه الأوضاع في هدر الأموال العامة وتدهور جودة الخدمة المقدمة للمواطنين.
عصابات المولدات
في خضم أزمة الكهرباء، ظهرت عصابات المولدات الكهربائية كواحدة من أكبر الأزمات التي تساهم في تفاقم الوضع. تتحكّم هذه العصابات في أسعار المولّدات والوقود، وتستفيد من عدم استقرار التيار الكهربائي لزيادة الأسعار بشكل مبالغ فيه. كما تفرض هذه العصابات أسعاراً مرتفعة على المواطنين وتفرض عليهم شروطاً قاسية، بما يضيف عبئاً إضافياً على كاهل الأسر اللبنانية.
الخصخصة حلّ جذريّ
تعتبر خصخصة قطاع الكهرباء من الحلول الفعّالة لمعالجة الأزمة، يمكن أن تساهم في تحسين جودة الخدمة وخفض منسوب الفساد بشكل كبير.
كما تتيح الخصخصة فرصة لاستثمار الأموال اللازمة في تطوير البنية التحتية وتجديد المحطات الكهربائية، بما يؤدّي إلى زيادة قدرة الإنتاج وخفض ساعات انقطاع التيار. كما يمكن للقطاع الخاص أن يقدّم خدمات أكثر فعالية وشفافية، ما يعزّز الثقة لدى المواطنين.
لذلك، من الضروري أن تقوم الحكومة اللبنانية بإصلاحات جذرية في قطاع الكهرباء لتسهيل عملية الخصخصة. يجب أن تشمل هذه الإصلاحات تحسين الشفافية، ومكافحة الفساد، وتعزيز رقابة الدولة على القطاع الخاص لضمان تقديم خدمات ذات جودة عالية وبأسعار معقولة. كما يتعيّن على الحكومة أن تعمل على وضع تشريعات جديدة تدعم الخصخصة وتخلق بيئة ملائمة للاستثمار.
ومن الميزات التي قد تقدّمها الخصخصة، ما يلي:
1- زيادة الاستثمار: تستقطب الخصخصة استثمارات جديدة في تطوير البنية التحتية، ما يساهم في تحديث محطات الطاقة وتوسيع الشبكات الكهربائية.
2- تنويع مصادر الطاقة: تتيح الخصخصة أيضاً فرصة كبرى للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، ما يساهم في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية.
3- الرقابة والتنظيم: من الضروري وجود هيئة تنظيمية فعّالة لضمان عدم استغلال الشركات الخاصة للمستهلكين وضمان تحقيق الأهداف البيئية والاقتصادية.
4- العدالة في توزيع الخدمات: يجب التأكّد من أن الخصخصة لا تؤدّي إلى تدهور الخدمات في المناطق النائية أو الفقيرة، حيث قد تكون الشركات الخاصة أقلّ اهتماماً بالخدمات في هذه المناطق.
لم يُظهِر المسؤولون عن قطاع الكهرباء في لبنان سوء إدارة فاضحاً فحسب، بل الأخطر أنهم تورّطوا في مستويات عالية من الفساد. كما أن تصريحاتهم حول الحلول تبدو سخيفة وغير واقعية.