في ١٥ من الشهر الحالي نشر مصرف لبنان، بيانًا يوجز فيه الوضع المالي للمصرف، وهو بيان يصدر دوريًّا منتصف كل شهر، ويُنشر في الجريدة الرسمية ويُرسل للوكالة الوطنية، كما يقوم المصرف بنشره على موقعه الإلكتروني لتسهيل الاطلاع عليه.
علت أصوات تعمد على تشويه الحقائق للرأي العام، واللعب على الطرق المحاسبية، لتصل إلى غاية أساسية مفادها وفقًا لأجندتهم، أن المصرف المركزي يحجز أموال الدولة.
بعيدًا عن التقنيات التشريحية المحاسبية، ولتصويب الأمور عن كيفية توزيع الأموال المذكورة في البيان بطريقة بسيطة وسهلة، فتتلخص الأرقام بالتالي:
– في القسم الأول أي قسم الموجودات assets، وتحديدًا في البند الثاني منه foreign assets أي الموجودات الخارجية يصل الرقم إلى ١٥،٤٧٣ مليار دولار، منها وبحسب ما ورد في الشرح التفصيلي للبيان ١٠،٢٧٧ مليار دولار احتياطات أجنبية سائلة بالدولار الأميركي أو ما يعرف بأنها احتياطات بالدولار الجديد أو بالدولار النقدي.
– أما في القسم الثاني أي قسم المطلوبات أو ما يسمى liabilities وتحديدًا في البند الثالث أو ما يسمى public sector deposits أي موجودات القطاع العام فيصل الرقم إلى ٥،١٥٧ مليار دولار.
إنَّ أخذ هذا الرقم وبَدء التسويق على أنّ المصرف المركزي يحبس هذا المبلغ للدولة اللبنانية ليحافظ على استقرار سعر صرف الدولار في السوق، ما هو إلا روايات وتحليلات لا تمت للحقيقة بصلة، للأسباب التالية:
1- إنّ الأموال النقدية بالدولار الأميركي هي عشرة مليارات ومئتان وسبعة وسبعون مليونًا، أي بارتفاع تجاوز مليار دولار ونصف منذ استلام الحاكم بالإنابة مهامَّه، منها أقل من خمسمئة مليون دولار نقدي فقط للدولة والقطاع العام، أي إن موجودات القطاع العام ارتفعت من ٣٥٠ مليونًا في آب ٢٠٢٣ إلى نحو ٥٠٠ مليون دولار اليوم، ما يعني أنّ حصة الدولة من الزيادة في الاحتياطي لا تتجاوز مئة وخمسين مليون دولار.
2- محاسبيًّا ليس للرقم خمسة مليارات المذكور أعلاه أي ارتباط بالموجودات الخارجية، لأن الرقم المذكور ووبساطة يشمل على السواء الدولارات المحلية العائدة للقطاع العام والليرات. وبمراجعة بسيطة، فإنّ هذه الأموال مذكورة في الحسابات منذ ما قبل آب ٢٠٢٣ أي قبل تاريخ بدء ارتفاع الاحتياط بالعملات الأجنبية.
3- إنَّ ميزانية مصرف لبنان تشير بالفعل إلى أنّ احتياطي المصرف بالعملات الأجنبية هو ١٥،٤٧٣ مليار دولار، وبحسبة بسيطة يتبين أن الفارق ما بين هذا الرقم والدولار النقدي (١٠٢٧٧ مليار)، هو الدولارات المحلية التي ذكرناها.
التفصيل أعلاه يدحض كل المزاعم التي سوّقت لحجز المصرف المركزي لأموال الدولة من أجل زيادة احتياطاته بالعملات الأجنبية، ويطرح تساؤلات عن سبب انزعاج البعض من الاستقرار النقدي وارتفاع الاحتياطيات لدى مصرف لبنان.