ميزان المدفوعات: هدوء ما قبل عاصفة عودة الإنفاق إلى الارتفاع

بعكس كل التوقعات ارتفعت قيمة الواردات السلعية في الفصل الأول من العام الحالي بنسبة 13.6 في المئة، مسجلة 3.3 مليارات دولار مقارنة مع 2.9 مليار في الفترة نفسها من العام 2020. في المقابل تراجعت الصادارات في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بنسبة 23.5 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2020. وقد بلغت الصادارت في الفصل الأول لهذا العام 699 مليون دولار، مقارنة مع 914 مليوناً في العام 2020. وفي مؤشر لا يقل أهمية، ارتفع عدد العمال الأجانب الجدد خلال الأشهر الـ 9 الأولى من العام الحالي إلى 18,214 عاملاً مقابل 13,467 عاملاً جديداً خلال الفترة ذاتها في العام 2020″، بحسب الأرقام التي نشرتها الدولية للمعلومات. و”ذلك بعدما وصل في العام 2019 إلى 43825 عاملاً”.

كل هذه الأرقام تدل على أن الدولارات التي ستخرج من لبنان في هذا العام من باب الاستيراد والعمالة الأجنبية، ستكون أكثر من الدولارات التي خرجت في العام 2020، وذلك على الرغم من ازدياد حدة الازمة الاقتصادية وتعاظم مستويات الفقر والبطالة وتراجع الناتج المحلي إلى 18 مليار دولار بأحسن التقديرات. الأمر الذي يؤشر أن التحسن في الميزان التجاري الذي شهدناه في العام 2020 كان نتيجة وباء كورونا أكثر منه نتيجة سياسات اقتصادية تقشفية وفعالة، وأن الارقام التي سنشهدها هذا العام قد تكون مؤشراً أكثر دقة عن الوضع الاقتصادي. وبحسب الدولية للمعلومات فانه “بعد التراجع الكبير في العام 2020 في أعداد العمالة الأجنبية، استقرت الأعداد في الأشهر الـ 9 الأولى من العام 2021، ما يعني أن من تخلى عن هذه العمالة نتيجة تراجع إمكانياته المالية لم يعمد إلى استقدام عمالة جديدة، بينما هناك فئة لا تزال تملك إمكانيات مالية تسمح لها الاحتفاظ بهذه العمالة”.

هذا الواقع لا يؤشر إلى حتمية استمرار العجز في ميزان المدفوعات فحسب، إنما إلى حتمية تزايده أكثر في النصف الثاني من العام الحالي. فالواردات ستصل إلى حد لا يمكن التراجع عنه أكثر. خصوصاً في ظل ارتفاع عجز الصناعة الوطنية عن الحلول مكان السلع المستوردة، نتيجة ارتفاع أكلاف الانتاج بعد تحرير أسعار المحروقات واستمرار غياب الكهرباء. في المقابل، فان الصادرات الصناعية ستتراجع أيضاً نتيجة فقدان قدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية. وعليه فان استمرار العجز في الميزان التجاري الذي يشكل أحد أهم مكونات ميزان المدفوعات، سيقود العجز في الأخير إلى مستويات كبيرة هذا العام، وتحديداً في النصف الثاني منه.

أسباب العجز هذا العام قد لا تقل خطورة عن اسباب العجز في العام الماضي. فالعجز غير الطبيعي المحقق في العام 2020 الذي يتعادل مع حجم الاستيراد، والمترافق مع ارتفاع في الصادرات بقيمة أكثر من 3 مليارات دولار، وتدفق نحو 7 مليارات دولار تحويلات من المغتربين كان نتيجة خروج رساميل من المصارف لمحظيين على حساب بقية اللبنانيين. أما هذا العام فان العجز سيكون نتيجة تعاظم الخلل في العناصر التي تكون ميزان المدفوعات والتي هي الحساب الجاري، حساب رأس المال، والحساب المالي. هذه العناصر ستتزامن مع انخفاض الناتج المحلي إلى أرقام قياسية. فنسبة عجز ميزان المدفوعات من الناتج المحلي المقدر بـ 18 مليار دولار ستبلغ 22 في المئة في حال وصل العجز في الميزان لغاية نهاية العام إلى 4 مليارات دولار. فيما شكل العجز في ميزان المدفوعات في العام الماضي نسبة متقاربة بلغت 27 في المئة إذا اعتبرنا أن الناتج كان 38 مليار دولار.

وعليه فان استمرار استنزاف العملة الصعبة وخروجها بوتيرة أكبر من دخولها سيزيد الضغط على سعر الصرف. وهذا الخلل سيتعزز أكثر في الأيام المقبلة مع ارتفاع وتيرة ضخ الليرات في السوق، لزيادة القدرة الشرائية للمواطنين واستمرار دفع الودائع بالدولار على سعر صرف 3900 ليرة و12 ألف ليرة، ويمكن بسقف أعلى في المستقبل القريب. كل هذه العوامل ستؤدي إلى “تعميق الأزمة أكثر”، بحسب رمال، و”ستؤدي إلى تكبير حجم طابة المشكلة. وبحسب قوانين الفيزياء كلما كبرت الطابة كلما زادت سرعتها وأصبحت امكانية تجميعها للمشاكل اكبر. من هنا نحن بأزمة مستدامة وليس من حل مستدام.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةنقيب موزّعي الغاز يتوقع أن يصل سعر القارورة إلى 280 ألف
المقالة القادمةسيّارات مغشوشة بأسعار خياليّة