ميشال نجار يقترح إنفاق 7 مليارات دولار على الطرق في لبنان: أزمة النقل من منظور «نظام التوزيع»

أطلّ الأسبوع الماضي، وزير النقل والأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في فيديو مباشر من مكتبه في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا حيث يشغل مركز نائب الرئيس بعنوان «مشاكل وحلول النقل والحاجة لأخصائيين في قطاع النقل». استحوذ قطاع النقل البرّي على القسم الأكبر من الإطلالة بعد تعريف قطاع النقل بأنه «الشريان الذي يوصل الأمور ببعضها، ويحفّز الاقتصاد، ويُستعمل للذهاب إلى العمل ولنقل البضائع من مكان إلى آخر». إذاً، هو شريان لوصل «الأمور» ببعضها. بهذا المعنى يتحدث نجار عن النقل في لبنان انطلاقاً من مفاهيم «التوزيع»، فيقترح إنفاق 7 مليارات دولار لتحديث الطرق، ويتعامل مع مشاكل الانتقال بين المناطق وزحمة السير، كأنها رحلة سياحية تحتاج إلى «تاكسي بوت»… ليس نجار وحده، وإنما كثيرون من أهل السلطة يعتقدون أنه يمكن إحياء «نظام التوزيع» لتبديد الأموال ومنح الامتيازات

في إطلالته، بدأ وزير النقل والأشغال العامة ميشال نجّار، بالترويج لفكرة إنفاق 7 مليارات دولار. استند في كلامه هذا إلى وجود 22 ألف كيلومتر من الطرقات في لبنان «قديمة وتعود بغالبيتها إلى الأربعينيات والخمسينيات، وتسير عليها حالياً نحو 1.7 مليون سيارة». وأشار إلى أنه منذ ذلك الوقت لم يستثمر لبنان بالطرقات لناحية التوسعة أو البنى التحتية مثل مجاري تصريف مياه الأمطار… برأيه، كان هذا الأمر، سبباً في طوفان الطرقات. لذا «كانت هناك حاجة بحسب التقديرات إلى 7 مليارات دولار كان يُفترض أن يتم رصدها عبر مؤتمر سيدر».
كذلك تطرّق نجار إلى موضوع سكك الحديد، معتبراً أن «أغلب الناس قطعوا الأمل من الموضوع»، لكنه يعتقد أن «سكك الحديد شغلة مهمّة». وشرح بأن الشبكة قديمة وتعاني اليوم من التهالك والتعديات عليها معتبراً أن إزالتها سهلة. كذلك قال، إن معالجة هذه المشاكل أمر ضروري نظراً لأهمية وجود قطار في لبنان لنقل البضائع والأشخاص ونظراً للراحة والحيوية التي يوفّرها للاقتصاد «هذا ما يمكن أن يعرفه كل مسافر إلى أوروبا»

كلام نجار لا يختلف كثيراً عن كلام رموز السلطة الذين استعملوا نظام التوزيع لتبديد الأموال وتحويل المال العام إلى الخاص، أما بخصوص إنفاق 7 مليارات دولار على الطرق، فهذا الأمر يثير الكثير من التساؤلات والريبة. هل أهل السلطة يسعون لإعادة إحياء نظام التوزيع القائم على تحويل المال العام إلى مال خاص عبر مشاريع لا قيمة ولا طعم ولا نكهة لها؟ هل فكّر نجار بما يمكن أن نفعله بمبلغ 7 مليارات دولار في مجال النقل المشترك واللين، بدلاً من «حرقها» على طرقات ستزيد أزمة السير تعقيداً. فعلى عكس ما يعتقد نجار، سواء عن اطلاع وخبرة أو عن ضعف المعرفة وقلّة الإلمام، إن زيادة الطرقات بكيلومتر واحد هو هدر، حرفياً، لكل قرش، لأن ذلك سيزيد الطلب على استعمال السيارة، وبالتالي سيؤدي إلى مزيد من التورّم في زحمة السير ويُدخلنا في حلقة مفرغة من توسعة الطرقات وزيادة عدد السيارات. قد يكون مفهوماً أن يدافع الوزير عن أعمال وزارته والتقصير في مراقبة الأشغال العامة سواء في التخطيط أو التنفيذ أو الاستلام، لكنه فضّل أيضاً تقديم صكوك براءة للمتعهدين والفاسدين من خلال إشارته إلى قدم الطرقات، لا بل بدا أكثر تناقضاً عندما أشار إلى توافر اعتمادات صيانة الطرق ثم أقرّ لاحقاً بأن اعتمادات وزارته صفر، وأن بعض أشغال صيانة الطرق تمّت بمبادرات «خيّرة»، من هم هؤلاء «الخيّرون»؟ هل سلكت تبرعاتهم الطرق الدستورية؟ هل كانت فعلاً بلا مقابل؟ هل يقدّم الوزير تبريراً لتفسير طوفان الطرقات في الشتاء، مرّة عبر تحميل عدم الاستثمار في تحديث الطرقات وتوسيعها، ومرة عبر غياب الاعتمادات، ومرّة عبر تحميل المسؤولية للبلديات والمواطنين الذين يلوّثون مجاري المياه، متغاضياً عن الفساد في التلزيمات وفساد استلام الأشغال…

في هذه الإطلالة ورد الكثير مما يدلّ على أن الهدف منها الترويج للجامعة التي يعمل فيها الوزير ولاختصاص النقل. أما في المضمون، فهناك الكثير من الملاحظات: الوزير أعفى البلديات من مسؤولياتها تجاه المشاركة في حلّ أزمة النقل، وهو لم يذكر مطلقاً موضوع رفع الدعم والكارثة التي ستحلّ على اللبنانيين، وهو أيضاً لم يذكر خلال 45 دقيقة كلام، أي كلمة عن النقل الليّن (المشي على الأقدام والدراجة الهوائية) رغم المنحى العالمي الذي يأخذه هذا النوع من التنقل وخصوصاً بعد جائحة كورونا، علماً بأن هنالك دراسات جاهزة للتنفيذ في ما يخصّ بيروت. إلقاء اللائمة على الأزمة الاقتصادية والصحية الحالية لتبرير القصور في معالجة مشاكل النقل، هو في غير محله… كل ما قيل هو أحاديث مكرّرة وتقليدية عن النقل تتضمن أخطاء شائعة وخلفيات واضحة. ليس منتظراً من نجار أو أي وزير غيره، أن يحيد عن الفولكلوريات بما أنه لا يُمثّل سوى شخص إضافي في منظومة سقطت منذ حين وفي دولة تفككت بنيوياً كل قطاعتها، وليس أولها قطاع النقل.

مصدرجريدة الأخبار - علي الزين
المادة السابقةنقيب الأفران: لا رفع لسعر ربطة الخبز ومن الممكن أن ينخفض وزنها 50 غراماً
المقالة القادمة2.55 مليار دولار عجز المصارف الخارجيّ