ميقاتي «خدع» نواب الحاكم

فيما كانَ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة يودّع مكتبه في الحمرا أول من أمس، كانَ نوابه، وعلى رأسهم وسيم منصوري، يحاولون تكريس قواعد جديدة للتعامل النقدي بين الحكومة والمصرف المركزي، في محاولة لإعادة القطار المالي إلى سكة قانون النقد والتسليف الذي تجاوزه سلامة طيلة ثلاثين عاماً. إلا أن الحكومة لم تنتظر كثيراً كي تخلع عنها مسؤولية تأمين تغطية المس بالإحتياطي الإلزامي عبر مشروع قانون صادر عنها، ولم يتأخر رئيسها نجيب ميقاتي في التخلي عن نواب الحاكم، والتهرب من تقديم مشروع قانون قانون الإقتراض بالعملات الأجنبية، والضغط على عدد من أعضاء المجلس النيابي للتقدم باقتراح قانون في هذا الشأن، متذرعا بأن «المادة الرابعة من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء تنصّ على وجوب إرسال مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية قبل أسبوع على الأقل من مناقشتها في مجلس الوزراء» كما صرّح بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء أمس.

وقد أثار ذلك غضب رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عبّر أمام زواره عن استيائه من تنصل ميقاتي ومحاولته إلقاء التبعة على البرلمان بالإمتناع عن وضع مشروع قانون بذلك واحالته على مجلس النواب. وقال بري ان المجلس «لا يتخلى عن دوره لكنه لا يأخذ دور سواه»، و«لا يمانع في إقرار الإقتراض من مصرف لبنان عندما يصل الى المجلس مشروع قانون بذلك، عندئذٍ يقر باقتراح قانون. بيد أن ذلك يوجب إحالة المشروع من الحكومة أولاً». ولفت بري الى أن مجلس النواب «لا يملك أن يقدم تعهدات نيابة عن الحكومة باعادة ما تقترضه هي من مصرف لبنان لأنها هي المقترض، وهي من يفترض أن تقدّم تعهدا والتزاما له برد ما ستنفقه». ووصف موقف الحكومة بأنه «أول علامة سلبية في تعاطيها مع نائب حاكم مصرف لبنان في اليوم الأول لبدء عمله»، مضيفاً: «اذا لم يقر القانون من أين سيؤتى بالمال؟ هذه مسؤولية الحكومة». وقال: «ما بدأه وسيم منصوري عمل ايجابي ويُعوّل عليه في الإحتكام الى القانون».

هذا الجو الذي انتشر أمس يعني عملياً انتقال كرة النار الى البرلمان الذي يحتاج الى معجزة لتحقيق مطلب النواب الأربعة، وسيجد هؤلاء أنفسهم أمام «مخرج» وحيد هو العودة الى سياسات رياض سلامة.

ما حصل كانَ متوقعاً. وعلى الأرجح أن ميقاتي حاول «ترويض» نواب الحاكم لئلا يذهبوا الى خيار الإستقالة، موهماً إياهم بأن حكومته ستواكب إدارتهم وتؤمن لهم كل ما يحتاجونه، فذهب الى طرح فكرة مشروع القانون على مجلس الوزراء ليتبيّن أن الأمر كان مجرد «خدعة»، خصوصاً أن القوى الحكومية غير متحمسة للموافقة عليه. ولن يكون تعامل مجلس النواب مع ما طلبه منصوري سلساً، بعدما باتَ واضحاً أن غالبية الكتل النيابية لن تصوت على اقتراح القانون وكل المؤشرات تؤكد أن هذا الأمر دونه عقبات، وتحيط به أسئلة كثيرة، من بينها: من هم النواب الذين سيتقدمون باقتراح القانون؟ هل سيتأمن نصاب الجلسة التشريعية؟ وما هو موقف «التيار الوطني الحر» الذي تحوّل مؤخراً الى حجر الزاوية في تأمين نصاب الجلسات التشريعية؟

تتقاطع التقديرات بين أكثر من مصدر نيابي حول «صعوبة مرور الإقتراح في الهيئة العامة للبرلمان». وقبلَ كل ذلك، ينبغي السؤال عن الكتلة النيابية التي ستتقدم باقتراح القانون، إذ أن المجلس النيابي منقسم بين كتل ترفض التشريع في ظل الفراغ الرئاسي وستقاطع الجلسة حتماً (القوات، الكتائب، التغييريون وعدد من النواب المستقلين)، وأخرى تضع شروطاً لحضور الجلسات مثل التيار الوطني الحر، وباقي الكتل الحاضرة دائماً لكنها هذه المرة «غير متحمسة». وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن بري ليس وحده من يرفض تمرير القانون في مجلس النواب، فحزب الله يحاذر الموافقة على تغطية الإقتراض من الإحتياطي إن من داخل الحكومة أو مجلس النواب، فيما التيار الوطني الحر يربط موافقته بإقرار القوانين الإصلاحية الأربعة: الكابيتال كونترول، إعادة هيكلة المصارف، موازنة العامين 2023- 2024 والإنتظام المالي، وهذا يبدو بعيد المنال بعدما عطّلت غالبية الكتل اقرارها طيلة ثلاث سنوات.

وعليه، يبدو السيناريو الأقرب هو تعطيل انعقاد جلسات مجلس النواب وعدم اقرار القوانين، وفي هذه الحالة قد يشعر نواب الحاكم بتعرضهم لخديعة ويعود بعضهم الى التهديد بالإستقالة أو سيجدون أنفسهم مضطرين الى الإستمرار بتنفيذ سياسات سلامة التي تقتضي التدخل في السوق بيعاً وشراءً للدولار عبر منصّة صيرفة لتأمين الأموال، خصوصاً أنه لن يكون بمقدورهم الذهاب فوراً إلى وقف التمويل لأن ذلك سيتسبب بفلتان سعر الصرف وانفجار الوضع في وجههم. وسيكون هذا الخيار أهون الشرور، في ظل رفض إقراض الحكومة من أموال التوظيفات الإلزامية أي أموال المودعين من دون تشريع هذه الخطوة.

ويتقدم هذا السيناريو على غيره، وفقَ ما تقول مصادر نيابية إذ أن البديل عنه هو أن «يوافق المجلس على تشريع اقراض الحكومة وفق الشروط والمهل التي وضعها نواب الحاكم الأربعة لشراء مزيد من الوقت ومن دون إقرار قوانين اصلاحية». لكنه خيار غير مضمون لأن التيار الوطني الحر لن يشارك، وفقَ ما أكدت مصادره.

في المحصلة، لا يبدو مجلس النواب بغالبية كتله جاهزاً لإعطاء فترة سماح لنواب الحاكم لتأمين الإستقرار النقدي الى حين انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين حاكم جديد للمصرف، حيث هناك إشكالية تتعلق باسترداد الأموال التي ستصرف وعما إذا كانت هناك قدرة لدى الحكومة أو المصرف المركزي على إعادتها.

وفي هذا الإطار، كانَ لرئيس لجنة الإدارة والعدل التي سبقَ ان استمعت لنواب الحاكم، النائب جورج عدوان، موقاً يظهر بأنه لن يكون هناك تعامل مختلف مع نواب الحاكم إذ إن «البعض يعتقد مخطئاً أننا وضعنا خطاً بين المرحلة الماضية والمقبلة»، مشدداً على أنه «لا يمكن الانتقال لمرحلة خيرة ومسؤولة إن لم نكشف خلالها كل ممارسات الماضي وتحصل فيها المحاسبة ويتم استرداد كل الأموال المنهوبة والمهدورة».

 

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةبوشكيان عرض مطالب نقابات الأفران
المقالة القادمةموظّفون الى المنزل ورواتب قيد الدرس