ميقاتي من فشل إلى آخر… والمسلسل دامٍ!

6 أشهر مرت وحكومة نجيب ميقاتي تجر ذيول الخيبة الاقتصادية الوحدة تلو الأخرى، رغم الخطاب التطميني الهلامي لرئيسها على عادته المتفائلة ظاهراً والقلقة ضمناً. آخر الصفعات أتت من حيث قد يبزغ الأمل، تحديداً من صندوق النقد الدولي غير “الحاظي” بعد بمفاوض لبناني مسؤول مفوّض قوي شفاف معترف بعمق الأزمة، ومحاول مقاربتها بحلول جذرية لمرة واحدة ونهائية.

أولاً، بالغ ميقاتي في إيهام الناس أنه منقذهم من العتمة، وصرح في تشرين الأول الماضي أنه سيضيء لبنان بمعدل 10-12 ساعة قبل نهاية 2021 . معتمداً على وعود أميركية ومصرية وعراقية وأردنية وسورية ليوهم الناس أنه “واصل” دولياً، تفتح له مغاليق سدت بوجه غيره، فاذا بالوعود قبض الرياح في جزء منها، وفي علم الغيب في آخر. فبعد عهوده المتسرعة عاد ميقاتي وحنث بالتزامه رامياً الكرة في ملعب غيره قائلاً الاسبوع الماضي: “إما كهرباء كل الوقت وإما لا كهرباء، نحن نحتاج الى خطة كاملة وواضحة”.

والأنكى أن موازنة 2022 أتت على ذكر سلفة لكهرباء لبنان أحدق بها نزاع بين الأطراف المتصارعة تاريخياً حول المسؤولية عن أزمة هذا القطاع الكارثية، وتحديداً بين حركة أمل والتيار الوطني الحر.

أما صندوق النقد والبنك الدوليين فيتفرجان بكثير من الذهول على مشهد سوريالي في وقت توقعا فيه من حكومة ميقاتي، وعلى جناح السرعة، انجاز خطة شاملة لاصلاح قطاع الكهرباء، بدءاً من الانتاج وصولاً الى الجباية بتعرفة جديدة ومروراً بمعالجة الهدر والسرقة الواصلة نسبتهما حتى 40-45%. فأي تمويل بالمليارات ينتظره ميقاتي اذا لم تعالج “نكبة” الكهرباء هذه بعيداً من وعوده العرقوبية؟

ثانياً: في جملة تصريحات، بالغ ميقاتي أيضاً في تفاؤله بموازنة ترسم بداية خطوط خريطة الخروج من الأزمة. فقدمت حكومته مشروعاً متأخراً سرعان ما تنصلت منه جزئياً حركة أمل الراعية السياسية لوزيرالمالية يوسف خليل، بالاضافة الى “حزب الله” الذي ركب حصان شعبويته معلناً رفضه الضرائب والرسوم، فضلاً عن انتقادات من أطراف سياسية أخرى ممثلة في الحكومة أبرزها التيار الوطني الحر.

ثالثاً: تعلم الحكومة أن المفاوضات مع الصندوق ستأتي حكماً على توحيد أسعار الصرف قبيل اعتماد سعر واحد مرن غير ثابت كي لا تتكرر خطيئة الـ 1507.5 ليرات للدولار. فاذا بها تبشر بأسعار جديدة كل واحد منها متصل بقطاع. “الاتصالات” ترغب في ضرب التعرفة المحسوبة على 1500حالياً بخمسة أضعاف و”الكهرباء” تتحدث عن 8 أضعاف أو أكثر لأن البنك الدولي الممول جزئياً لاعادة تأهيل القطاع يطالب بتعرفة لا تترك وراءها عجزاً في ميزانية مؤسسة كهرباء لبنان. أما الدولار الجمركي والضريبي في الموازنة فخطط له مضروباً بـ 13 ضعفاً.

رابعاً: لماذا يمكن رفض “الليلرة” بالطريقة التي يحلم بها ميقاتي وفريقه خصوصاً صديق المصارف النائب نقولا نحاس؟ لصندوق النقد جملة شروط أبرزها استدامة الدين العام، بمندرجات تعافي الاقتصاد وتحقيق النمو اللازم ليستطيع الناتج التوازي مع الدين أو يعلو فوقه.

خامساً: اتصالاً بـ”الليلرة” المجحفة بحق المودعين والماحية لمعظم مدخراتهم، لا علاج ناجعاً في خطة ميقاتي للقطاع المصرفي المرجح أن يبقى “قطاع زومبي” كما يؤكد النائب السابق لحاكم مصرف لبنان والوزير السابق ناصر السعيدي. وسبب التساهل، بحسب معارضي ميقاتي، أنه صديق تاريخي لمصارف بعينها سواء في مساهمات، او تسهيلات لا سيما اسكانية مرفوعة قضايا بشأنها.

سادساً: في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق في عدة دول أوروبية كما في لبنان، وقف ميقاتي مدافعاً عن سلامة بشكل مباشر، وبشكل غير مباشر عن المصارف التي فيها حسابات لرجا سلامة وربما لرياض أيضاً، حتى بات ميقاتي نفسه محط اتهام عدة اطراف داخلياً وخارجياً على أنه يعرقل سير التحقيقات القضائية المحلية المطلوبة من جهات خارجية اوروبية .

سابعاً: فشل ميقاتي في تمرير مشروع قانون لضبط التحويلات والسحوبات (كابيتال كونترول) بعدما انفضح التسلل فيه لمصلحة مصرف لبنان الراغب بقوننة تعاميمه المخالفة، فضلاً عن رفض المشروع من صندوق النقد لعدم تلبيته متطلبات اساسية تطبق للضرورة في ظروف لبنان وحاجته الماسة لبقاء كميات من العملات الأجنبية فيه لفترة معينة.

ثامناً: لم تقدم حكومة ميقاتي للعلن بعد خطة كاملة تضع الإطار الاقتصادي لمسيرة التعافي على أساسها يبدأ التفاوض الرسمي والجدي مع صندوق النقد.

تاسعاً: قالت مديرة الصندوق “إن البرنامج مع لبنان بحاجة الى دعم الجميع… المجتمع والناس العاديين”. تعلّم الصندوق من تجاربه مع دول أخرى. فلا مفر من تمرير الشروط والاصلاحات في نقاشات سياسية وشعبية ونقابية ومع المجتمع المدني.

اهتمام الصندوق بالأصوات غير الحكومية يندرج أيضا ضمن رغبته في رؤية شبكة حماية اجتماعية. فلا نجاح أكيداً لأي برنامج من دون الحد الاجتماعي الأدنى. المرحلة تتطلب “ًتوزيعاً للآلام” كما سماها الاقتصادي روي بدارو. والمقصود، ان من يضحي من القاعدة (تحت) يرغب في رؤية تضحيات من الطبقات الأعلى لينتظم شلال الأحمال والخسائر بعدالة ما.

مصدرنداء الوطن - منير يونس
المادة السابقةالبنك الجيّد والبنك السيّئ: لإعادة هيكلة المصارف
المقالة القادمةعياش: الدين بالليرة تراجعت قيمته بالدولار من 42 ملياراً الى 3 مليارات