ميقاتي و”الهيئة الناظمة للكهرباء”: “ما بدّي لا بدّي”

إذا كان «إبريق الزيت» هو المثل الشعبي للدلالة على حالة مفرغة تتكرّر بلا نتيجة، فبات «برميل الفيول» أو الغاز هو القصّة الرسمية للفشل الحكومي اللامتناهي في معالجة معضلة الكهرباء المزمنة، مع تحوّل الهيئة الناظمة لإدارة قطاع الكهرباء، إلى كرّة تراشق في ملاعب الكيدية السياسية، و»الوعود الميقاتية»، من دون تسجيل أي هدفٍ في مرمى العتمة التي تلفّ الملفّ الكهربائي الموصول بخطّة التعافي الإقتصادية والماليّة كشرط أساسي للعلاج.

موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، من الهيئة الناظمة التي يصرّ عليها المجتمع الدولي والبنك الدولي تحديداً، «تَشَقلب» بين التخلّي عنها عندما كانت علاقته مع «التيار الوطنيّ الحرّ» على ما يرام، والتمسّك بها كشرط أساس لكي يحصل لبنان على قرض البنك الدولي لتمويل مشروع استجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر.

وبعدما شدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال خلال عرضه في شباط الماضي مشروع قانون الموازنة العامّة لعام 2022، على أنّ مجلس الوزراء سيعيّن هيئة ناظمة للقطاع، قال بعد فترة في حديث تلفزيوني وتحديداً في أيلول الماضي، إن «ثمة أموراً أستطيع القيام بها وأخرى لا أستطيع. على سبيل المثال ثمة شروط إصلاحية أنجزت ومنها قانون الشراء العام، إلا أنّه بالنسبة للهيئة الناظمة التي ينصّ عليها القانون 431 تاريخ 2002، فثمّة اقتراح مقدم من «تكتلّ لبنان القوي»، لتعديل مهام الهيئة الناظمة ودورها لتكون أشبه بمجلس استشاري ما يؤدي إلى فقدانها رونقها، وهذا الاقتراح مقدّم من الفريق العوني، ولذا يرفضون تشكيل الهيئة قبل النظر بصلاحياتها، بينما المواطن يريد كهرباء، وأنا في الوقت الحاضر أريد أن أؤمن الكهرباء».

يومها، تخلى ميقاتي عن هذا الشرط لأنّه حاول إرضاء العهد والفريق العوني، وهو المتيقّن أنّ إنشاء الهيئة شرط إصلاحي لا بدّ منه لكونها حجر أساس أي خطة علمية يُراد منها الخروج من نفق العتمة. لكنه تجاهلها.

وفي تلك الفترة أيضاً، أكّد ميقاتي في حوار له أمام المجلس الاقتصادي- الاجتماعي في تشرين الثاني 2021، أن «مشروع الحلّ الكامل بات جاهزاً وهو يؤمّن 2000 ميغاوات كهرباء اضافية مما يتيح التغطية الكهربائية الكاملة في لبنان بكل ما للكلمة من معنى»، مشيراً إلى «أننا بصدد استكمال 3 خطوات أساسية هي انجاز القوانين اللازمة وقد بوشر بإعدادها، اقرار نوع العلاقة بين الشركة الجديدة ومؤسسة كهرباء لبنان، والجهة التي ستتولى ادارة هذا المشروع. لقد عرضنا هذا المشروع على العديد من المؤسسات الدولية، وخصوصاً البنك الدولي، وطلبنا مشاركة دولية فيه، والموضوع أصبح في حكم المنتهي وسيتم عرضه قريباً».

لكن العهد انتهى، وحكومته باتت في حكم غير الموجودة، وأقفلت فرصتها من دون أن تتمكن من انجاز أيّ خطوة جدية في ملف الكهرباء:

– مزيد من الخطط التي هي عبارة عن Copy- paste عن الخطط القديمة التي سبق لـ»التيار الوطنيّ الحر» أن وضعها، فيما يقفز معمل سلعاتا من وثيقة إلى أخرى. وقبل ساعات من تحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، قرر ميقاتي صبّ زيت «الكهرباء» على نار علاقته مع الفريق العوني، متهماً التيار العوني بالطلب من وزير الطاقة وليد فياض سحب بندين مرتبطين بهذا الملف، وهما مشروع عقد بالتراضي مع مؤسسة كهرباء فرنسا لإعداد دفاتر الشروط وملفات التلزيم لإنشاء معملين جديدين لإنتاج الطاقة الكهربائية في الزهراني ودير عمار، ومشروع إنشاء محطات للتغويز لتعزيز إنتاج الطاقة من الغاز… موحياً بأنّ الكهرباء باتت على مسافة أمتار من اللبنانيين!

– الاتفاق مع العراق بلغ خواتيمه، وتمديده دونه عقبات كثيرة. فيما الفيول الايراني معلّق على حبل الموافقة الأميركية، التي لن تأتي بطبيعة الحال.

– أما تمويل البنك الدولي للطاقة الأردنية والغاز المصري، فلا يزال على حاله مذ عرضه: الهيئة الناظمة قبل أي شيء. ومع ذلك لم تقم الحكومة بأي خطوة فعلية قد تدفع باتجاه تحسين التغذية بالتيار الكهربائي… الّا من خلال شراء الفيول من جديد، ومن أموال المودعين طبعاً!

وها هو ميقاتي يعود إلى المربّع الأول ليضع انشاء الهيئة على طاولة الشروط الأساسية، ويقول في مقابلته التلفزيونية الأخيرة إنّ «المفاوضات مع البنك الدولي من أجل استجرار الغاز والكهرباء، وشراء الفيول من قبل الدولة»، لافتاً إلى أن وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض «فاجأنا بالاعلان عن استقبال طلبات 6 اعضاء للهيئة الناظمة فيما المطلوب كان الاعلان عن 5 اعضاء وارسلت كتاباً بهذا الشأن لفياض لأن في ذلك مخالفة واضحة للقانون وأنا أتعاطى مع فريق سياسي همّه التعطيل». واعتبر أنه «بلا هيئة ناظمة لا تمويل من البنك الدولي لإستجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر!».

هكذا، الحكومة الميقاتية، كالحكومات المتعاقبة كافة، لم تنجز أعمالها أو تحقّق عهودها ولن يَرشح عنها لا زيتٌ ولا فيولٌ، فكلّ العهود الكهربائية التي أطلقها رئيسها ووزراء طاقتها لم تكن سوى «على الوعد يا كمّون»، وإهدار الوقت والتخبّط في المواقف وكيفية التعاطي مع صندوق النقد الدولي والولوج في الإصلاحات المطلوبة.

 

مصدرنداء الوطن - طوني عطية
المادة السابقةسوريا تفرض “خوة” على استيراد الموز اللبناني وتهدّد بكساد الموسم
المقالة القادمةالسعودية تعلن خطة بناء مطار يستوعب 120 مليون مسافر