بعد الإرباك الذي أحدثه قرار شركة توتال مؤخراً بالتوقف عن الحفر في البلوك رقم 9 في المياه اللبنانية، خرجت هيئة قطاع البترول لتعلن عن نتائج الحفر، فغرقت هي الأخرى في عبارات فضفاضة غير حاسمة تعكس تردداً وعدم وضوح لجهة حسم نتيجة الحفر.
وتزامناً مع صدور بيان هيئة قطاع البترول “غير الحاسم”، انعقدت جلسة للجنة الأشغال من دون حضور ممثلي شركة توتال، على الرغم من دعوتهم من قبل وزير الطاقة مروان فياض والنائب سجيع عطية، ما ترك علامات استفهام أخرى حول سلبية نتائج الحفر وعدم يقين تجاه التقرير النهائي.
إلا أن المعلومات تشير إلى أن حال الإرباك تلك نتجت عن عدم صدور التقرير النهائي الذي يوضح نتيجة الحفر، خصوصاً أنه لم يتم العثور على مكامن غاز، إنما على بقايا غاز. وهو ما يُبقي على الآمال باحتمال وجود مكامن في آبار أخرى. بمعنى آخر، لم يتم العثور على الغاز أنما على آثار تبعث الأمل بوجوده في مكان ما.
موقف هيئة البترول
بعد استكمال أنشطة حفر بئر الاستكشاف قانا 1/31 في موقع الحفر في الرقعة رقم 9 في المياه البحرية اللبنانية من قبل المشغل شركة توتال، وبعد استكمال جمع البيانات والعينات الناجمة عن أنشطة الحفر ليل الأحد-الاثنين الفائت، وبإنتظار التقريرالتقني المفصّل الذي تعدّه توتال، أعلنت هيئة إدارة قطاع البترول-وزارة الطاقة والمياه، في بيان لها، أن اختيار موقع البئر في حوض قانا غير المستكشف هدف إلى الاجابة على سؤالين محوريين لمستقبل عمليات الاستكشاف في البحر اللبناني:
1-تأكيد او نفي وجود مكامن (Reservoirs) ونوعيتها خاصة بالبحر اللبناني، في طبقة جيولوجية لم يتم اكتشاف مكامن فيها في الحوض المشرقي بعد.
2-مدى تشابه وامتداد الطبقات الجيولوجية التي تم تسجيل اكتشافات غازية فيها في بحر فلسطين المحتلة بمثيلاتها في البحر اللبناني وتأكيد او نفي وجود مكامن غازية (Reservoirs) ونوعيتها.
وحسب هيئة إدارة البترول، فقد تمّ من خلال الحفر اختراق الطبقات المستهدفة، وتأكيد وجود مكمن بنوعية جيدة يحتوي على الغاز في الطبقة الخاصة بلبنان. وعليه فإن اكتشاف هذا المكمن في حوض قانا يوجب إجراء دراسة موسعة لفهم أعمق يسمح برسم خريطة لهذا النوع من المكامن في حوض قانا وعلى امتداد البلوك 9 والبلوكات المحيطة، بهدف تحديد أماكن المكامن التي يمكن أن تحتوي مواد هيدروكاربونية بكميات تجارية.
كما تم تأكيد امتداد الطبقات الجيولوجية التي سجل فيها اكتشافات غازية في بحر فلسطين المحتلة إلى البحر اللبناني، وتم تأكيد وجود مكامن (Reservoirs) بنوعية جيدة جداً، والتي احتوت على آثار للغاز في الموقع الذي حفرت فيه البئر. سينصب الاهتمام في الأشهر المقبلة، على استعمال البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر، من أجل نمذجة أدق لحوض قانا، بهدف تحديد الامتداد الجغرافي للمكامن المكتشفة داخله، وفي المناطق المحيطة به، ورفع نسبة النجاح لتحقيق اكتشافات غازية مستقبلاً في حوض قانا والمناطق المحيطة، والتي تمتد على عدة بلوكات بحرية.
بالمحصلة، تقول هيئة البترول أنه نتيجة حفر البئر في مكامن reservoires الحفر في حقل قانا، تبيّن أنه لا يحتوي على الغاز إنما تم إيجاد بقايا غاز. وحسب الخبيرة في مجال حوكمة الطاقة، ديانا القيسي، عادة ما تكون الآبار إما حابسة للغاز أم غير حابسة له. بمعنى أن التكهنات كانت آخذة في اتجاه أن البئر يمكن إن يكون حابساً للغاز. وهو ما لم يحصل، وكانت النتيجة أن الغاز تفلّت. وهذه الحالات تقنياً تحصل في حال لم يكن الرمل كثيفاً في مكامن الحفر.
وحسب حديث القيسي لـ”المدن”، فإن وجود بقايا غاز يبعث الأمل باحتمال وجود الغاز في مكامن أخرى. وما تعمل عليه توتال حالياً هو دراسة النتيجة لتفسير ما حصل تقنياً، وتحديد سبب تفلت الغاز وعدم انحباسه بالأرض. وما إذا كان السبب يعود إلى تحرك الصفائح التكتونية أم هناك أسباب أخرى. وعليه يتم تحديد الخطوة الثانية.
بئر جديد؟
وبالرغم من عدم حصول اكتشاف لمواد هيدروكاربونية نتيجة لحفر هذه البئر، إلا أن البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر ستشكل أملاً جديداً ومعطيات إيجابية لاستمرار عمليات الاستكشاف في البلوك 9 والبلوكات الأخرى، وبالأخص تلك المحيطة ببلوك 9. كما أنها تعطي قوة دفع إضافية للاستكشاف في البحر اللبناني. بهذه العبارة حسمت هيئة قطاع البترول في بيانها وجود أمل في المراحل المقبلة، على الرغم من عدم وجود غاز في البئر الذي تم حفره في البلوك رقم 9.
لكن يبقى السؤال، هل ستقوم توتال بحفر بئر آخر في البلوك عينه أم لا؟ يرى مصدر مطلع أنه من غير المتوقع أن تقرر توتال حالياً ما إذا كانت ستحفر بئراً آخر. فأمامها الكثير من الوقت لاتخاذ القرار حتى أيار 2025. لكن فيما لو تطور الوضع الأمني الراهن، فإنه من الصعب الاستمرار بالحفر، على ما يقول المصدر.
لجنة الأشغال والطاقة
أما عن أسباب تغيّب ممثلي شركة توتال عن حضور جلسة لجنة الأشغال والطاقة لبحث نتائج الحفر، ففسّرت القيسي التي حضرت الجلسة عدم حضور ممثلي توتال، بأنهم لا يريدون التحدث بالأمر قبل التوصل إلى الأسباب التقنية الكامنة وراء النتيجة التي توصلت إليها عمليات الحفر. وقد جرت العادة أن لا تتحدث توتال قبل صدور التقرير التقني الرسمي.
لكن، وحسب ما أوردت قناة LBCI، فإن ممثلي “توتال” تلقوا تعليمات من السفارة الفرنسية تطلب منهم عدم المشاركة في الاجتماع لأسباب أمنية، على خلفية التنديد في لبنان بالموقف الفرنسي الداعم لإسرائيل.
في المقابل، أكد المصدر حديث القيسي، عازياً رفض مشاركة ممثلي “توتال” بالجلسة إلى عدم رغبتهم بالدخول في نقاشات غير مبنية على أسس علمية، وقبل صدور التقرير التقني النهائي لنتائج الحفر.