نحتاج لمن يدفع معاشات آخر الشهر

يكثر التنظير الاقتصادي في هذه الايام، ويتبارى المفكرون الاقتصاديون لطرح حلول مكررة عامة، تزينها شعارات جميلة، ولكن يبدو ان لا احد منهم يدخل في التفاصيل، ويبدو ان لا احد يدفع معاشات آخر الشهر، ويصدر حاويات، ويدفع كهرباء مرتفعة ويتعرض لمنافسىة شرسة، ويستميت لابقاء سلعة او انتاج على قيد الحياة.

لا يريد احد ان يناقش في التفاصيل او يغير التفاصيل، علماً ان الشيطان يكمن في التفاصيل، ومن يريد ان يضع خططاً عليه ان يكون انتج سلعة من الصفر وصولاً الى وضعها في السوق او على متن باخرة لتصديرها. القطاعات الانتاجية تعاني ومحكومة اعدام وتطبق عليها المقولة Dead man walking أما بعض المسؤولين ومنهم من لم يدفع معاشاً بحياته مشغول بكل شيء ما عدا القطاعات الانتاجية!

لم يطرح احد حلولاً منطقية للطاقة، فبالنسبة للصناعة والتي تتمتع بكلفة كهرباء تصل إلى اكثر من $0.3 kWh وتتعرض للمنافسة من بلدان كلفة الكهرباء فيها ارخص بكثير، وهذا حكم اعدام على الصناعات اللبنانية خاصة صناعات الطاقة المكثفة والتي صدر حكم إعدام عليها وبدلاً من اعطائها تعرفة ليلية بسعر معقول قررنا تفطيسها. كما وصلت الوقاحة إلى زيادة رسوم التصدير ولو كانت زيادة زهيدة! ولكن المبدأ غير مقبول! وكنا قد اقترحنا على معالي وزير النقل نقل محل إقامته إلى سوريا وإيجاد حل لرسوم الترانزيت وتوقيع اتفاقات تعاون بين لبنان، سوريا، الأردن والعراق. هناك حديث عن خسارة اكثر من مليوني $ يومياً وبدلاً من اعطاء حوافز للمصدر مثل مصر او تركيا نعاقب المصدر. المطلوب وبسرعة جلسة لمجلس الوزراء ودون مقاطعة من احدهم لها عنوان واحد فقط لا غير «التصدير مقاومة اقتصادية».

وقد انتبه وزير الصناعة انه يجب رفع الجمارك خاصة على المستوردات من الأصناف التي تحتاج إلى طاقة مكثفة ولكن القرار تعرض إلى كمين من السفيرة الأوروبية ونسفته عن بكرة أبيه! وهذا لانه واجب علينا احترام الإرادة الاوروبية التي تدفع لنا عن كل نازح سوري €10000 سنوياً لنبقيه عندنا. ونفاخر بالسيادة! ما أعظمنا!

إذا لم نعالج كلفة الكهرباء لصناعات الطاقة المكثفة ونفرض جمارك مرتفعة على المستوردات من أصناف صناعات الطاقة المكثفة ستقفل كلها في لبنان. كل اتفاقات التجارة الحرة تسمح للبلدان المعرضة لأزمات مالية/اقتصادية ان تتخذ اجراءات حمائية. كما يجب السماح باستيراد المازوت وتخزينه بالمنشآت مباشرة من الصناعيين دون تعقيدات الكتبة وأزلام الكارتيل. لا تسمحوا بموت الصناعة في لبنان.

لا يتطرق احد لهذه المواضيع كما لا من يسأل اين تذهب الاموال التي تجبيها اللجنة المؤقتة وهذه من اكبر الفضائح في لبنان! رسوم مرفأ على حسب نوع الحمولة ورسوم زرابة الخ… وكل هذه لا تذهب إلى المالية بل تنفقها اللجنة على هواها! بالمبدأ المفروض ان تعطي 20% من دخلها للمالية ولكنها من يوم إنشائها تصرف على هواها تردم وتعود وتنبش تشتري رافعات لا تستعملها وتوظف محاسيب اهل السياسة، وتتمتع باحتكار دون حسيب او رقيب!

ومرفأ بيروت الذي يعمل بدوام جزئي مع ايام الفرص التي لا تنتهي ولكن الافظع ان الـ demurrage من قبل مرفأ بيروت لا يتعطل ابداً والعداد ماشي. إذا لم تتحرك الهيئات الاقتصادية قانونياً لن يتوقفوا عن تشليح المستورد والمصدر.

من يقوم بالتدقيق بدور لبنان في المنطقة على صعيد النقل البري والبحري! لبنان يجب ان يكون المطار لكل المشرق! مطار بيروت طبعاً ومطار في الشمال ومطار في البقاع وانفتاح على الطيران المنخفض الثمن والتركيز على الشحن الجوي! اما الشحن البري فهذا موضوع إقليمي مرتبط بسوريا والأردن وبالطبع الخليج ويجب العمل الجدي والسريع لتفعيله مما يحول مرفأي بيروت وطرابلس الى مرافئ إقليمية! إذا تعمقنا بمشاريع النقل من مصر إلى جبل علي وصولاً لاسرائيل وخط بن غوريون وقد تكون حرب غزة من اجل هذا الخط وطريق الحرير… ونحن نتفرج ونريد اعادة بناء مرفأ بيروت على بقعة ارض ثمنها الأعلى عقارياً. «لعبة» النقل العالمية والإقليمية يجب ان لا يغيب عنها لبنان! من يتحدث عن الحكومة الالكترونية! تبسيط، وترشيق المعاملات والتخفيف من الاجراءات قصة عمرها سنين ولا احد يفهم معناها! ما نعرفه ان الاسعار في لبنان على ارتفاع مخيف حركة التصدير من لبنان انخفضت اكثر من 30% وتنافسية لبنان بتراجع مستمر! وبدلاً من الحكومة الالكترونية والاجراءات الادارية الموعودة منذ اكثر من ثلاثين سنة عدنا إلى تراخيص جديدة ورسوم مرفأ مرتفعة، وطوابع مفقودة، نعود الى نقطة الصفر في كل مرة من دون اي تطوير.

لم نتعلم من مصائبنا شيئاً، لم نغير من انفسنا شعرة، نتمسك بأساليبنا القديمة التي اوصلتنا الى بلد منهوب، مكسور، متعثر اقتصادياً وانتاجياً. ألم يحن الوقت لايلاء التفاصيل الاهمية القصوى؟ ألم يحن الوقت للاستماع لمن يدفع معاش آخر الشهر ويؤمن فرص انتاج؟

مصدرنداء الوطن - فادي عبود
المادة السابقةقانون العمل “صار لازم يتقاعد”
المقالة القادمةوفد لبنان إلى صندوق النقد: لا جديد… كلّ غنّى على ليلاه!