نحو حلول مستدامة للحدّ من هدر الغذاء

هدر الغذاء في المستشفيات مشكلة ذات أبعاد اقتصادية وبيئية وصحية، وعامة أيضاً، إذ لا تخصّ لبنان وحده، بل تمتدّ إلى دولٍ عربية عدّة. وفي السياق اللبناني، أظهرت دراساتنا السابقة أن نسبة كبيرة من الطعام المُقدَّم للمرضى ينتهي في النفايات، ما يستوجب حلولاً مستدامة للحدّ من هذه الظاهرة.

أضف إلى أن الدراسات التي أجريت في الأردن تحديداً، وفي دول عربية أخرى، أكدت على وجود أنماط مشابهة لهدر الغذاء في لبنان، ما يجعل الحاجة إلى إستراتيجيات إقليمية أكثر إلحاحاً.

تتنوع أسباب الهدر بين عوامل إدارية، غذائية وسلوكية، ومنها على سبيل المثال، التخطيط غير الدقيق للوجبات ما يؤدي إلى زيادة في كميات الطعام المقدمة، وعدم توافق الطعام مع أذواق المرضى ما يدفعهم إلى عدم استهلاكه، ونقص الوعي بأهمية الحد من الهدر بين الطاقم الطبي والإداري، وعدم وجود سياسات واضحة لإدارة فائض الطعام، وتباين سياسات التخزين وسلسلة الإمداد بين الدول ما يفاقم المشكلة في بعض البلدان التي تعتمد على الاستيراد بدرجة كبيرة.

وتستوجب هذه الأسباب البحث عن حلول ملائمة تعفي من مضاعفة هذه الأزمة. ويمكن، في هذا السياق، تقسيم الحلول المقترحة على صعد عدة:

على الصعيد المهني، يتمثل أحد الحلول المستدامة بتعزيز الوعي حول ممارسات إدارة الغذاء المستدامة بين مقدمي الخدمات الغذائية والمستشفيات. لذلك، من الضروري تقديم برامج تدريبية شاملة تشمل تقنيات إدارة المخزون، تخطيط الوجبات، وأساليب تقليل الهدر، وتعزيز التعاون بين أقسام التغذية، التمريض وإدارة الجودة لضبط الكميات المقدّمة ومراقبة استهلاك المرضى للطعام.

على صعيد اختصاصيي التغذية في المستشفيات، والذين يمكنهم لعب دور رئيسي في تقليل الهدر عبر تحسين تخطيط الوجبات بناءً على احتياجات المرضى وأذواقهم، إضافة إلى تفعيل نظام طلب الطعام المسبق (Pre-ordering system) لضمان تقديم الكميات الفعلية المطلوبة فقط. كما يمكن تنفيذ إستراتيجيات إعادة تدوير الطعام غير المستهلك بأمان، سواء عبر إعادة توظيفه داخل المستشفى أو التبرع به للمحتاجين بالتعاون مع الجمعيات الخيرية.

وعلى صعيد إدارات المستشفيات التي ينبغي أن تعتمد سياسات واضحة لإدارة مخزون الغذاء وتخزينه بكفاءة، إضافة إلى تطبيق أنظمة رقابة دورية لرصد نسبة الهدر وإيجاد الحلول المناسبة. كما إن تشجيع التحوّل نحو عقود توريد مرنة تتيح طلب الكميات الفعلية المطلوبة من دون فائض يُعد من أهم الخطوات نحو تحقيق الاستدامة.

أما على صعيد السياسات العامة، فتتطلب معالجة هذه المشكلة تدخلاً حكومياً عبر سنّ قوانين تلزم المستشفيات وضع خطط فعالة لتقليل الهدر الغذائي. ويمكن توفير حوافز ضريبية للمؤسسات التي تعتمد ممارسات مستدامة في إدارة الغذاء، إضافة إلى دعم إنشاء بنوك غذائية على المستوى الوطني والإقليمي. كما إن تعزيز البحث العلمي حول إستراتيجيات الحد من الهدر الغذائي في المستشفيات العربية يمكن أن يسهم في تطوير سياسات أكثر فاعلية تتناسب مع خصوصيات كل دولة.

تطبيق هذه الخطوات يمكن أن يوصل فعلاً إلى تجربة ناجحة تخفّف من الآثار والانعكاسات السلبية لمشكلة هدر الطعام على الصعد كافة، من الصحية إلى الاقتصادية والبيئية.

ويمكن هنا، الاستفادة من تجربة الأردن، حيث تنفّذ مبادرات رائدة للحدّ من هدر الغذاء في المستشفيات، تتضمّن إدخال برامج لتقييم استهلاك الغذاء داخل هذه المؤسسات، واعتماد نظم تخطيط متقدمة للوجبات. كما تم التعاون مع جمعيات لجمع الطعام غير المستهلك وتوزيعه على المحتاجين، ما أدى إلى انخفاض ملموس في نسب الهدر.

الحد من هدر الغذاء في المستشفيات ليس مجرد ضرورة اقتصادية، بل مسؤولية اجتماعية وبيئية تتطلب تكاتف الجهود بين العاملين في القطاع الصحي، الإدارات والحكومات. وعبر تبادل الخبرات بين الدول العربية وتطبيق إستراتيجيات مستدامة، يمكن تحقيق نظام غذائي أكثر كفاءة يُسهم في تقليل الهدر وتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة.

مصدرجريدة الأخبار - مهى حطيط
المادة السابقةوزارة المالية تخفّف رسوم الخدمات السياحية بنسبة 90%
المقالة القادمةحبيب يُطلع وزيرة الشؤون على مشاريع «مصرف الإسكان»