نزوح العدالة من لبنان: قضاة ومحامون يتسابقون على الهجرة

«قرف» المحامين والقضاة من «المهنة» عمره عقود، وليس ناتجاً فقط من تدهور قيمة رواتبهم وأتعابهم، وإن كانت هذه قد ظهّرت هذا «القرف» بشكل أوضح أخيراً. تُضحك كثيرين منهم تسمية «قصور العدل» التي تُطلق على مبان مهترئة. في بعض هذه «القصور» مراحيض قد تشكل أحد أبرز تجمّعات البكتيريا في العالم، ممرات مظلمة، ومصاعد (إن كانت تعمل) بلا إضاءة ترعب مستخدميها. في الشتاء «نشّ» و«طرطقة» مياه تتسرب عبر السقوف لتصبّ في «سطول» وُضعت بـ«ترتيب هندسي» لمنع تشكّل بحيرات اصطناعية!

حتى الأدوات البسيطة التي يحتاج إليها هؤلاء لممارسة مهماتهم بات متعذراً عليهم الوصول إليها. «أوراق الهامش» التي تُستخدم لكتابة محاضر المحاكمات بدأت تنفد، «وأحتفظ ببضع أوراق لأتمكن من فتح محاضر دعاوى جديدة» على ما ينقل أحد المحامين عن رئيسة قلم في إحدى محاكم الاستئناف. الطوابع الأميرية من فئة الألف ليرة مفقودة. ولأن القانون يفرض وضع طابع على كل مستند مرفق باللائحة، يضطر المحامون الى استخدام طوابع من فئة الـ 2000 أو الـ 5000 ليرة، ما يزيد من الكلفة بشكل كبير.

«في البلد زادت المشاكل، لكنها لم تؤدّ الى زيادة عمل المحامين» بحسب الوزير السابق زياد بارود. «أما من زادت أعمالهم، فلأسباب محزنة كما هي حال محامي الشركات التي تصرف موظفين مثلاً. رغم ذلك، فإن مداخيلهم لم ترتفع، إن لم تكن قد تراجعت». يوضح بارود أن الوضع العام، على مختلف الأصعدة، «يصعّب صمود المحامين. إذ إن المحاماة ليست تقاضياً فقط. فالمحامي يعمل أيضاً في مجال الاستشارات والتعليم الجامعي وتنظيم العقود وتأسيس الشركات والتوكل عنها وعن أي شخصية معنوية أخرى».

الوطأة الأثقل للأزمة تقع على المحامين الشباب، المتدرجون منهم والمحامون بالاستئناف. الفئة الأولى تتقاضى في الإجمال بدل النقل فقط، وأحياناً راتباً لا يزيد على مليون ليرة إذا كان صاحب المكتب كريماً. ولعل الأخطر من قلة المردود المالي هو النقص في الخبرة الذي سيعانيه هؤلاء بسبب التراجع الكبير في عدد القضايا التي قد يتسلّمونها لإحجام كثيرين عن توكيل محامين.

في هذا السياق، يلفت بارود الى أن «أعداداً كبيرة من طلاب الحقوق في السنة الرابعة، وخصوصاً المتفوقين، يهاجرون حتى قبل صدور نتائج الامتحانات الأخيرة، فضلاً عن مخاوف جدية من هبوط مستوى تعليم الحقوق في لبنان بسبب هجرة الأساتذة الجامعيين من محامين وقضاة».

الاستقالات من جهة القضاة لا تزال «قليلة» بحسب مصادر قضائية، «ولا يزال مجلس القضاء الأعلى يتريث قبل البتّ بها». إلا أن اللافت هو العدد الكبير من القضاة الذين تقدموا بطلب استيداع «وعددهم بالعشرات».

الوجهة الأولى لمعظم «المهاجرين» هي دولة الامارات العربية المتحدة حيث يسمح لهم بالعمل قضاة ومحامين ومستشارين قانونيين لشركات.

الخطير في ذلك، بحسب مصادر قضائية، أن انعكاسات الوضع الحالي ستظهر في السنوات المقبلة، «لأن هذا المسار يفرغ القضاء من الطاقات الشابة التي يفترض بها أن تتسلّم الدفة لاحقاً».

مصدرجريدة الأخبار - رضا صوايا
المادة السابقةلبنان في العتمة
المقالة القادمةالذهب يحتلّ قائمة الصادرات وسويسرا وجهة “التسييل” الفضلى للمخزون التجاري