يُعِدّ وزير المال ياسين جابر العدّة للانطلاق إلى “اجتماعات الربيع” التي يعقدها صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي سنوياً في واشنطن، بخطوات جديدة محدَّثة شكّلت مطلباً أساسياً لبعثة الصندوق خلال زياراتها المتتالية إلى لبنان في عهد الحكومة السابقة والحالية.
وجاء تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان كريم سعَيد، ليُضفي جواً من الجديّة والصدقية في المفاوضات المحدَّثة بين لبنان وصندوق النقد، ويعزّز عامل الارتياح والحماسة لدى وفد لبنان إلى “اجتماعات الربيع”.
في غضون ذلك، تجهد الحكومة عبر وزير ماليّتها، لإقرار مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، ومشروع قانون تعديل السريّة المصرفية، قبل موعد اجتماعات واشنطن، على رغم التشكيك في التمكّن من ذلك نظراً إلى الفترة القصير الفاصلة… فيما الأنظار مشدودة إلى ترجيح تأبّط الوزير جابر إلى اجتماعات الربيع ملف الإصلاحات المنشود لتعبيد الطريق أمام توقيع الاتفاق مع صندوق النقد أولاً، ثم الحصول على الدعم المالي من المجتمع الدولي ثانياً.
هذا ما تنتظره إدارة صندوق النقد التي تشدد على أنها تتعاطى اليوم مع عهد جديد وحكومة جديدة، وبالتالي تتطلّع إلى توقيع اتفاق بنَفَس جديد مع الحكومة اللبنانية، تسبقه مفاوضات حثيثة غير محددة بوقت، إذ قد تستغرق أسبوعاً أو شهراً أو أكثر، فالأمر يتعلق بمدى التزام لبنان ببعض المتطلبات وأبرزها الإصلاحات.
فصندوق النقد يؤكد من جهته، أنه لا يفرض على الحكومة أي برنامج – خطة، بل يدعمها في أي خطة إنقاذية للنهوض بالقطاع المالي والاقتصادي… فإدارة الصندوق تطرح بعض الأفكار الأساسية لمناقشتها والتفاوض في شأنها للتوصّل إلى مقاربة للحلول المرجوّة.
وأبرز ما تنتظره إدارة الصندوق من الحكومة إقرار مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، ومشروع قانون تعديل السريّة المصرفية، على وقع الانطلاق بمسار الإصلاحات. وتشدد في السياق على وجوب أن تكون “استراتيجية الحكومة للنهوض والإنقاذ”، موحّدة وقابلة للتطبيق من الناحية الاقتصادية، لا أن تكون مجرّد شعارات فقط لا غير… وهي نقطة مهمة للانطلاق بالتفاوض بالنسبة إلى صندوق النقد الذي يُقرّ اليوم بأن لبنان فريد من نوعه، فالأزمات التي يعاني منها كبيرة ومتشعّبة، وبالتالي الحلول التي يجب اجتراحها مغايرة للمعالجات التي وضعها صندوق النقد لأزمات الدول الأخرى.
لإعادة الثقة بالمصارف
وإذ أكدت بعثة صندوق النقد في المفاوضات الجارية، أن لا اقتصاد سليماً من دون مصارف، شددت على وجوب إعادة الثقة بالقطاع المصرفي، فهي تثمّن محاولة الحكومة الحالية الدفع في اتجاه معالجة الأزمة المصرفية، كما توضح أن الصندوق لا يعلّق على مسألة تحديد المسؤولية، بقدر ما يهمّه البحث في كيفية الخروج من هذه الأزمة وإعادة الأموال إلى المودِعين.
الإصلاحات تبدأ بالسرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف، وفق بعثة الصندوق التي أطلعت الحكومة وجميع المسؤولين والفاعليات الذين التقتهم في لبنان، عما يريده الصندوق في هذا الشأن، إذ إنه يدعم إزالة القيود المفروضة على رفع السرية المصرفية عن بعض الأسماء، ويعتبر أن ما من سبب مشروع لرفض مناقشة السرية المصرفية “مع مفعول رجعي”…
وأشارت البعثة خلال جولتها على المعنيين، إلى أن المعلومات موجودة لدى المصارف، ويجب أن تتمكن هيئة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان من الحصول عليها وتقاسمها مع طرف آخر. وتشدد على الحاجة إلى التدقيق في المعلومات للسير في “الطريق الآمن”، معتبرة أن المسار طويل دونه خطوات متتالية لمعالجة أزمة المصارف والنهوض بها، والمطلوب استراتيجية موحّدة للمصارف مع تأكيد البعثة أن صندوق النقد لا يهدف إلى تأميم القطاع المصرفي في حين يجب أن تؤمّن المصارف مصادر عديدة لاستقطاب الأموال.
وإذ أشارت إلى أن الخسائر على المستوى المصرفي هائلة، لفتت إلى أن “إعادة رسملة مصرف لبنان مهمة، لكنها ليست حلاً سحرياً”.
وفي المقلب الآخر، اعتبرت بعثة الصندوق أنه في حال تحسَّن وضع الدولة ومستوى في لبنان، عندها يمكن التعويض بشكل جزئي على المودِعين، ورأت أن استخدام مقدِّرات الدولة لتسديد الأموال للمودِعين ليس بالخطوة الجيّدة لاعتبارها أن احتياطي الذهب ليس من الأصول كاحتياطي العملات الأجنبية، بل إن استخدامه يستوجب الحصول على موافقة مجلس النواب، وبالتالي لا قاعدة صارمة في الموضوع… فالقرار سياسي بامتياز.
الـ”يوروبوندز”..
وفي ما خصّ سندات الـ”يوروبوندز”، فشددت البعثة أمام المسؤولين اللبنانيين، على وجوب وضع رزمة مستدامة لحل مشكلة التعثّر في تسديد ديوبن الدولة اللبنانية المستحقة في ذمّتها لحاملي السندات ولا سيما الأجانب منهم، والتفاوض مع الدائنين… وتوضح أنها لا تعمل على تفاصيل الملف، بل تترك الدور للحكومة اللبنانية في ذلك وأن تعمل على إعادة هيكلة الدين وأن تعِد الدائنين بسداد الدين لهم، وإلا لن يثق الدائنون بالدولة لأنها لم تفاوضهم ولم تدفع لهم مستحقاتهو ولا لمرة واحدة.
الـ”كابيتل كونترول”..
أما في ما خصّ قانون الـ”كابيتال كونترول” فرأت بعثة الصندوق أنه كان كان ضرورياً في بداية الأزمة، إذ تشير إلى بعض الأدلة إلى أن هناك رساميل قد خرجت من البلاد، أما اليوم فلا حاجة إليه بسبب عدم قدرة المودِعين على استرجاع أموالهم.
ولم تتردّد في التشديد على أهمية تشكيل “الهيئات الناظمة” نظراً إلى ضرورتها في إصلاح إدارات الدولة، مع وجوب تطبيق القوانين ونشر التقارير المالية.
وأثنت البعثة على اهتمام الحكومة الجديدة في حل كل الأزمة المصرفية وغيرها من المشكلات المالية، وأبدت استعدادها للتعاون معها بجدّ لتطبيق الإصلاحات وأبرزها إعادة هيكلة إدارات الدولة، بدءاً من الوظائف مروراً بالكفاءات وصولاً إلى الرواتب… فالإصلاحات كبيرة وفق صندوق النقد.