نعي البطاقة التمويليّة: سلامة يجعل رفع الدعم أمراً واقعاً

حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لا يرى نفسه معنيّاً بإيجاد حلّ للانهيار الذي زجّ البلد به، نتيجة سياساته النقدية على مدى ثلاثين عاماً. الاقتصاد بالنسبة إليه ليس أكثر من معادلات حسابية، وأداة في خدمة «العربدات المالية» التي يقوم بها خدمةً لمصالحه ومصالح «فئة الـ 1%»، عوض أن يكون بخدمة المُجتمع وحاجاته. آخر تجلّيات قلّة المسؤولية هذه كانت مع مسوّدة «ترشيد الدعم» وإقرار البطاقة التمويلية. المشروع «مش ماشي» وأمامه عراقيل عدّة، أبرزها اثنتان: غياب التوافق السياسي حوله، وعدم الاتفاق المُسبق مع مصرف لبنان على ضخّ البطاقات بالدولار الأميركي. وقد بُحثت المسألتان خلال اجتماعٍ للجنة الوزراء الاقتصادية الخميس، كان مُخصّصاً لاستكمال النقاش «بموضوع البطاقة التمويلية ودرس الخيارات المُتاحة لتأمين التغطية المالية لها».

الأسبوع الماضي، وبعد اجتماع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب مع الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، أعلن أنّ البطاقة التمويلية ستُدفع بالدولار الأميركي للمُستفيدين منها (137 دولاراً شهرياً لكل أسرة من أربعة أفراد). قيمة البطاقة مُتواضعة ولن تكفي لسدّ أدنى الاحتياجات، لأنّ رفع الدعم سيترافق حُكماً مع رفع التجّار لأسعارهم وبغياب أي رقابة من الجهات المعنية.

ولكن، خلال اجتماع الخميس، طرأت تطورات جديدة. خلال اجتماع السرايا، «فاجأ» المدير العام لرئاسة الجمهورية، أنطوان شقير، الحاضرين بالقول إنّ الرئيس عون يُفضّل أن تُعقد جلسة لمجلس الوزراء لبتّ خطّة ترشيد الدعم «لأنّه موضوع حسّاس. ولكن لأنّنا نعرف ظروفك (دياب) ورفضك عقد جلسات حكومية، تعتقد رئاسة الجمهورية أنّه يُمكن إصدار موافقة استثنائية على مشروع ترشيد الدعم شرط نيله موافقة من كلّ الكتل السياسية، وحتى لا يصطدم بأي عوائق».

النقطة الثانية التي أثارها شقير هي ضرورة رفع الدعم تدريجياً، وهو نفسه الموقف الذي عبّر عنه بيان كتلة الوفاء للمقاومة أوّل من أمس برفضها «رفع الدعم الكامل عن السلع والحاجات الأساسية والحيوية للمواطنين. الخيار البديل الواقعي هو العمل على خيار ترشيد الدعم ضمن برنامج مضمون التمويل».

النقطة الثالثة التي كانت محور بحثٍ في اجتماع السرايا الحكومية، هي مصدر تمويل البطاقة بالدولار. سألت وزيرة المُهجرين غادة شريم: لماذا لا يُستفاد من القروض غير المعمول بها بعد لتمويل البطاقة؟ فيما نقل أحد الوزراء أنّ دياب «لا يزال ينتظر جواب القطريين حول موافقتهم على تمويل البطاقة». ولكن مصرف لبنان، وهو «خزنة» الدولة الوحيدة بالعملات الأجنبية، عمد في الأشهر الماضية إلى «احتكار» مواردها بالدولار (تحديداً التي تصل من البعثات الأجنبية) ويُعطيها ما يُعادلها بالليرة اللبنانية وفق سعر 1507 ليرات/ الدولار، وكان يُفاوض ليقبض هو دولارات قرض البنك الدولي والمنظمات الدولية، على أن يُعيد توزيعها على المستفيدين منها بالليرة، لماذا لا يشارك؟ لأنّ «المركزي» قرّر أن يرمي باللبنانيين في المجهول، رافضاً ضخّ دولار واحد في البطاقات التمويلية، على قاعدة «ليست مسؤوليتي، فلتتدبر الحكومة أمورها».

مصرف لبنان يبتزّ السلطة السياسية، يُريد أن يتم إصدار قانون يُشرّع له الصرف من حساب التوظيفات الإلزامية لديه، الذي يُسميه حساب الاحتياطي الإلزامي. هو اختراعٌ لسلامة، غير منصوص عليه في أيّ نص قانوني، استخدمه لنهب دولارات المودعين والمُساهمة في تكوين أرباح المصارف، قبل أن «يستفيق» على حقوق الناس.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةدياب: 4 سيناريوهات لترشيد الدعم أرسلت إلى اللجان النيابية لمناقشتها
المقالة القادمةهل يكون الإعلام 939 مقدّمة لملاحقة البنوك أم تمهيداً لإرجاع الودائع الصغيرة؟