عاد الجدل الدائر منذ سنوات حول معاناة قطاع الكهرباء في لبنان إلى الواجهة مرة أخرى بعد أن صدمت الشركة الحكومية الناس بقطع التيار عن أجزاء واسعة من البلاد جراء نفاد الوقود.
ولم تتفاجأ الأوساط الاقتصادية بإعلان مؤسسة الكهرباء الحكومية السبت الماضي عن توقف التغذية بالتيار في كافة أنحاء البلد لعدم توفر المخزون الكافي من الغاز لتشغيل محطات الكهرباء.
وأكدت أن ذلك كان متوقعا لعدة أسباب، في مقدمتها تراخي الحكومة وغياب الجدية في معالجة الأزمة عبر اعتماد حلول جذرية لإنقاذ هذا القطاع الحيوي، الذي يعكس البنية العميقة للاقتصاد في أي دولة.
وقالت مؤسسة الكهرباء في بيان إنه “قد تم خروج قسريا (السبت) آخر مجموعة إنتاجية لمعمل الزهراني متبقية على الشبكة الكهربائية عن الخدمة بالكامل، وذلك جراء نفاد خزين المعمل من مادة الغاز أويل بالكامل”.
وتابعت أن ذلك “أدى بنتيجته إلى توقف التغذية بالتيار الكهربائي كليا عن جميع الأراضي اللبنانية، بما فيها المرافق الأساسية”، ومنها المطار والمرفأ ومضخات مياه والصرف الصحي والسجون.
وأكدت المؤسسة أنها استنفدت جميع الإجراءات الاحترازية الممكنة لإطالة فترة إنتاج الطاقة في ظل الظروف الحالية، مشيرة إلى مساع حكومية لمعالجة مسألة تزويد مادة الغاز أويل من خلال اتفاقية المبادلة العراقية أو غيرها من المصادر.
وأوضحت أنها “ستقوم بإعادة تشغيل المجموعات التي وضعت خارج الخدمة قسريا، بما يتجانس مع الخزين الذي سيتوفر لديها بعد تأمين مادة الغاز أويل لصالحها لتتم من ثم إعادة التيار الكهربائي والتغذية تدريجيا إلى ما كانت عليه”.
وفي مسعى لتقديم المساعدة ذكرت الإذاعة الجزائرية الأحد أن الجزائر العضو في أوبك ستزود لبنان على الفور بكميات من الوقود لتشغيل محطات الكهرباء وإعادة التيار في البلاد، لكنها لم تشر إلى الكميات التي سيتم شحنها.
وتوجد في لبنان 7 محطات لتوليد الكهرباء بالوقود، من بينها خمس متوقفة، فيما تقوم محطتان فقط بتوفير ساعتين من التيار نهارا ومثلهما ليلا وسط تقنين لمدة 18 ساعة يوميا وفي ظل غياب بنية تحتية للطاقة حديثة في البلاد.
ويعد انقطاع الكهرباء إحدى المشكلات الأساسية التي يعاني منها لبنان. وبحسب البنك الدولي، فإن ما يقرب من نصف الدين العام، أي حوالي 40 مليار دولار، يعود إلى القطاع.
وكان حجم إنتاج الطاقة في لبنان يتراوح بين 1600 وألفي ميغاوات يوميا، لكن شح الوقود في السنوات الماضية خفّض الإنتاج تدريجيا إلى مستويات متدنية غير مسبوقة.
ويعتمد الكثير من المواطنين في البلاد، التي شهدت انهيار عملتها منذ اندلاع الأزمة في أواخر عام 2019، على المولدات الخاصة أو يكافحون لساعات طويلة في اليوم، تصل إلى 12 ساعة، من دون كهرباء.
ويعود عدم القدرة على توفير الوقود الكافي لمحطات إنتاج الكهرباء إلى تأخر وصول الفيول العراقي إلى خزانات مؤسسة الكهرباء.
كما أن عدم توفر اعتمادات كافية لاستدراج عروض شراء كمية كافية من الوقود من الشركات المحلية سبب آخر، بانتظار الوقود العراقي الذي لن يكون ممكنا تحميله “لأسباب لوجستية” قبل نهاية هذا الشهر، وفق تصريح سابق لوزير الطاقة وليد فياض.
ومع تضاؤل الاحتياطيات النقدية الأجنبية لدى مصرف لبنان المركزي أوقف البنك التحويلات لتغطية واردات الوقود.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية ومالية حادة منذ عام 2019، وهو ما أدى إلى عجزه عن تمويل واردات الوقود لتشغيل محطات الإنتاج المتوافرة. وتواجه شركة الكهرباء نقصا حادا في السيولة، بينما تكافح البلاد أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من 1975 إلى 1990.
وخلال السنوات التي سبقت انفجار مرفأ بيروت في 2020، كان اللبنانيون يعيشون دون كهرباء لمدد قد تصل إلى 22 ساعة في اليوم. ووسط شح الإمدادات يعتمد معظم اللبنانيين على المولدات الخاصة وألواح الطاقة الشمسية للحصول على التيار الكهربائي.
ومنذ عام 2017 أنشأ لبنان محطتين جديدتين للطاقة بمساعدة ألمانية في منطقتي ذوق والجيّة، لكنهما بدأتا تنهاران في غضون عامين. وكشف مدير منشآت النفط في معمل كهرباء الزهراني زياد الزين الأحد عن أن التغذية لن تطال إلا المرافق الحيوية في لبنان.
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية عن الزين قوله إن “الضخ بدأ الثالثة فجرا، بتسليم 5 ملايين لتر، من المنشآت إلى محطة كهرباء الزهراني على سبيل الإعارة، عبر خط الجر الذي يربطهما وبعد إتمام كافة الملفات إداريا وفنيا وقانونيا”.
وتوقع، بعد اجتماع مجلس إدارة كهرباء لبنان، صدور قرار وبيان عن موعد إعادة تشغيل المحطة، الذي لن يطال بالتغذية مبدئيا إلا المرافق الحيوية، مشيرا إلى أن “القرار اتخذ بعد مجموعة اتصالات امتدت حتى الفجر”.
وتقع محطة الزهراني في جنوب البلاد، وهي إحدى أهم محطات التوليد في البلاد، والوحيدة التي تعمل، حيث تزود السكان بأغلب احتياجاتهم من الكهرباء.
وأفادت معلومات أوردتها قناة الجديد اللبنانية بأن رئيس مجلس إدارة كهرباء لبنان كمال حايك قطع إجازته في اليونان وعاد إلى البلاد لترؤس اجتماع مجلس الإدارة الذي عقد الأحد. وأضافت أنه “بعودة حايك أصبح بالإمكان اتخاذ الإجراءات القانونية والموافقة على شراء الفيول من العراق ومصر”.
ووقع العراق ولبنان في يوليو الماضي اتفاقا جديدا لتزويد لبنان بكمية تصل إلى مليوني طن من زيت الوقود والنفط الخام. وبموجب اتفاق سابق وقع عام 2021 يزود العراق الحكومة اللبنانية بزيت الوقود الثقيل مقابل خدمات وسلع.