كم يبدع السياسيون اللبنانيون في تسييس القضايا، حتى الاساسية منها والتي تصل الى حدود وصفها بالمصيرية. فالكهرباء لم تعد ملفاً عادياً في هذا البلد الصغير، فهي ملفاً استنزف قدرات الخزينة اللبنانية، كما استنزف قدرات المواطنين الاستهلاكية بعدما اضحى واجباً عليهم دفع فاتورتي كهرباء في الشهر الواحد: فاتورة لمؤسسة كهرباء لبنان وفاتورة لتجار المولدات.
قبل ايام قليلة، اعلنت وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني خطة وزارتها للكهرباء، تلك الخطة التي يحكى انها ستبرز للعالم حرص لبنان على معالجة مشاكله المستعصية وستحمل رسالة للمستثمرين المحتملين ان لبنان يسير في طريق الاصلاحات. وعلى رغم ان هذه الخطة تضمنت رفع لسعر التعرفة، الا ان المواطنين حافظوا على رباطة جأشهم بإعتبار ان الخطة هي الخلاص.
ولكن .. ماذا بعد؟ ما حصل ان الخطة وقعت في دائرة الخلاف السياسي، لا بل اكثر. فالخطة اضحت مادة سجال اعلامية على رغم وجود لجنة وزارية تبحثها.
اسباب السجال واضحة، ففريق قرأ بها “تشاطر” واصرار على الإبقاء على خيار البواخر، فردّت الوزيرة المعنية واصفة اياه بـ”أصحاب البطولات الوهمية”.
حقاً، يجب السؤال: لماذا هذا التشاطر والبطولات الوهمية على شعب لبنان. فالخطة عبارة عن تدابير وارقام .. فليفسح المجال للعمل. فماذا قدمت حكومة “الى العمل” منذ تشكيلها غير اللقاءات الثنائية، وعدم الاتفاق حول مواضيع اساسية كعودة النازحين، واجتماعات لم تتوصل حتى الى تعيين حكام مصرف لبنان قبل نهاية ولايتهم الاحد القادم.
ملّ اللبنانيون السجالات والوعود الفارغة والتباهي بالحرص على مصالحهم، ملّوا التشاطر الذي يتحدث عنه البعض، كما ملواّ البطولات الوهمية.
اما الاقتصاد فحاله اسوأ، اذ لا يحتمل اي تأخير في بت مواضيعه وفي مقدمتها خطة الكهرباء واقرار الموازنة.
فليعد الجميع الى رشده، الفريق المتشاطر وفريق البطولات الوهمية، فكم كان صادقاً وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عندما قال قبل فترة قصيرة في اجتماع لمجلس الوزراء: “البلد راح يروح من بين أيدينا” ؟