طالب المتشددون في واشنطن إدارة الرئيس جو بايدن بتشديد العقوبات الأميركية على إيران نظراً لدعمها حركة حماس، المسؤولة عن الهجمات التي أشعلت الصراع الحالي مع إسرائيل. جاءت تلك المطالب بحجة أن طهران صدرت خلال الأشهر الأخيرة نفطاً أكثر من الأعوام الماضية.
لكن التدابير الجديدة وتنفيذها بشكل صارم لن تستطيعا تقليص مصدر الدخل الرئيسي للجمهورية الإسلامية، وسط ارتفاع شهية الصين على النفط الخام منخفض السعر، وما يصفه التجار والمحللون والمسؤولون التنفيذيون في صناعة النفط بأنه شبكات دفع ونقل موسعة لا يمكن للولايات المتحدة الوصول إليها.
الضغط الأقصى
بعد إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب انسحاب أميركا من الاتفاق النووي في 2018، اضطرت طهران إلى مواجهة حملة «الضغط الأقصى» الأميركية، التي سعت لإجبارها على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وقطع المساعدات عن الميليشيات التي تخوض حروباً بالوكالة. وهددت واشنطن بفرض عقوبات على الدول التي لم تخفض وارداتها من النفط الإيراني إلى «صفر».
شح البيانات
لكن على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، حتى مع شح البيانات المتعلقة بوضع النفط الإيراني بعد 2018، ارتفعت شحنات النفط بشكل مطرد، بفضل تخفيف الضغوط الأميركية والطلب الصيني. وتقترب إيران الآن مرة أخرى من الاستحواذ على المرتبة الثالثة بين منتجي منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، حيث تتجه الغالبية العظمى من براميلها (أكثر من 90%) نحو ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
تدابير جديدة
قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في بداية الحرب إنه من الممكن اتخاذ تدابير جديدة ضد إيران. وبالرغم من مخاطر التضخم التي قد تنتج عن الضغط على روسيا وإيران تزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، فقد يضطر بايدن إلى زيادة حدة التوترات. ما ليس واضحاً أكثر هو ما إذا كانت واشنطن فعلياً قادرة على فعل الكثير لمواجهة تأثير دعم الصين لإيران.
قال همايون فلكشاهي، كبير محللي النفط لدى مجموعة البيانات والتحليلات «كبلر» (Kpler)، إن «التجارة بين الدولتين متطورة للغاية، مع وجود عدة وسطاء، ما يُصعب فرض عقوبات من جانب الولايات المتحدة، إلا أن واشنطن بإمكانها استهداف الشركات التي تتعامل بشكل أكثر علانية أو وضوحاً مع إيران، لكن العديد من هؤلاء الوسطاء كيانات صغيرة».
وأوضح أنه «من الصعب معرفة من يجب معاقبته، بالتالي يمكن أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على المصافي المحلية المستقلة وحتى شركات النفط الوطنية مثل سينوبك (Sinopec)، لكن هذا سيخلق مزيداً من المشكلات السياسية في ظل العلاقات المتوترة بالفعل».
العقوبات أداة سياسية
أصبحت العقوبات المالية والتجارية أداة سياسية خارجية متزايدة الأهمية، حيث تسعى الدول إلى التأثير على خصومها دون استخدام قوة عسكرية. مع ذلك، قدمت إيران وروسيا حجة للنقاد الذين يزعمون أن التدابير غير المسبوقة فشلت في تغيير السلوك، مع استمرار ارتفاع تدفق عائدات النفط، كما تتكيف الأهداف مع ذلك أيضاً. تكمن المشكلة إلى حد ما في الوقت، فتأثير العقوبات نادراً ما يكون فورياً، وفي صعوبة التأثير على الأنظمة الاستبدادية، كما أن الأمر يتعلق أيضاً بتنفيذ العقوبات.
أسطول مظلم
أدرجت السلطات الأميركية خلال الأسابيع الأخيرة عدة شركات يوجد مقار لها في الإمارات على القائمة السوداء بسبب تعاملاتها مع روسيا، وفرضت عقوبات على ناقلتي نفط ومالكي السفن بسبب انتهاك سقف أسعار النفط الذي فرضته مجموعة السبع. وبالرغم من أن هذه الإجراءات أثارت حالة من الاستياء في مجتمع النفط، يقول المتداولون إنها لن تقوض تجارة النفط الخام مع مواصلة جهات أخرى، بما فيها العشرات وحتى المئات في ما يسمى بـ»الأسطول المظلم»، العمل في هذا الأمر، مما يوضح محدودية نفوذ واشنطن. وينطبق هذا على إيران والصين، في ظل أعوام الخبرة الكبيرة لديهما.
التجارة بين بكين وطهران
لم تتأثر التجارة بين طهران والصين كذلك بالعقوبات التي فُرضت على شركات في سنغافورة وماليزيا ببداية العام الجاري بسبب المزاعم التي لعبت دوراً في تسهيل بيع وشحن نفط وبتروكيماويات بملايين الدولارات نيابة عن شركة لها صلات معروفة بإيران، واستمر ارتفاع التجارة بين البلدين.
قال رافايلو بانتوتشي، زميل بارز في كلية «إس. راجاراتنام» للدراسات الدولية في سنغافورة (S. Rajaratnam School of International Studies): «ربما يصعب على الولايات المتحدة إنهاء التجارة بين إيران والصين بشكل كامل. لكن يمكن للولايات المتحدة فرض ضغوطٍ أكثر على الشركات الصينية إذا كانت التحقيقات مركزة والروابط محددة واتسع نطاق العقوبات، وفرضت واشنطن بالفعل عقوبات على كيانات صينية مختلفة».
الصين تتغلب على العقبات
لطالما استخدمت بكين مؤسسات مالية أصغر مثل «بنك كونلون» (Bank of Kunlun)، وهو قناة صينية رئيسية للمعاملات مع إيران، لتسهيل التجارة وتقليل التعرض للكيانات الكبيرة ذات الروابط التجارية الدولية.
في الوقت نفسه، استفاد المستوردون الصينيون مؤخراً من تطوير بديل قائم على اليوان لغرف المقاصة الغربية، وهي منصة تعرف باسم «نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك» (CIPS)، التي أطلقها البنك المركزي لتسوية المطالبات الدولية.
على الصعيد اللوجستي
توسع الأسطول المظلم المكون من سفن قديمة تنقل نفط الأنظمة الخاضعة للعقوبات إلى العملاء العالميين، ما يوفر خيارات أخرى أمام مشترين مثل الصين. وفي الوقت الراهن، ارتفع عدد السفن، بما فيها الناقلات الروسية وتلك الراغبة في تحميل خام الأورال ودرجات أخرى من النفط، إلى حوالى 600 سفينة.
من جانبه، قال فلكشاهي، المحلل لدى «كبلر»: «إذا وجدت وسيطاً وقررت أن تتعامل معه بقسوة، فسيغلق شركته، لكن العديد من هذه الشركات هي شركات وهمية لها مكاتب وهمية. ويمكن لنفس الأشخاص إنشاء شركة جديدة أخرى بسهولة خلال شهر أو شهرين، وسيكون التأثير موقتاً».
تشير ميشال ميدان، مديرة برنامج الصين لأبحاث الطاقة في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إلى أن الصين تستخدم أدوات مثل اليوان الرقمي والأسطول المظلم باعتبارها «شريان الحياة للمنتجين».
هناك عراقيل
مع ذلك، لا تخلو علاقة الصين بإيران من العراقيل، حيث توجد عقبات أمام الاتفاقية الاستراتيجية لمدة 25 عاماً التي وقع عليها البلدان في 2021. وهناك أيضاً شكوكٌ حول كيفية تأثير التعاملات مع طهران على أي تقارب في العلاقات بين واشنطن وبكين، خاصة إذا عُقد اجتماع بين زعيمي البلدين الأسبوع المقبل.
لكن إيران لا تملك سوى خيارات محدودة لتصدير نفطها بعيداً عن الصين. ورغم التقارب الحالي بين روسيا وبكين، اا تزال الصين عازمة على الاستفادة من نفط إيران الرخيص. وكلما طال أمد ذلك؛ أصبحت التجارة أسهل، في ظل تكيف الشبكات المالية واللوجستية مع هذا الوضع.