بعد أسبوع واحد على بدء الحراك في الشارع، وانطلاق البعض بموجات التعطيل للمؤسسات والإدارات، نشرنا مقالا نتحدث فيه عن الخسائر اليوميّة للإقتصاد الوطني، والتي وصلت الى حوالي 255 مليون دولار يوميا، وأشرنا يومها الى أن المشكلة الاساس لن تتوقف عند الاقتصاد، بل ستطال بشكل أساسي الخزينة العامة الملزمة بدفع الرواتب التي تشكّل لوحدها حوالي ثلث قيمة الإنفاق في الموازنة العامة. فكيف يمكن وصف حال الخزينة هذه الأيام؟.
تدفع الدولة اللبنانية حوالي 35 مليار ليرة لبنانية مقابل كل يوم عمل في إداراتها ومؤسساتها، وتشكل أيام العمل 220 يوما، وبالتالي فإن حجم الرواتب يبلغ حوالي 8700 مليار ليرة سنويا، أي حوالي 650 مليار ليرة شهريا، وهذا ما تمكّنت الدولة من دفعه شهر تشرين الثاني الماضي رغم كل الاصوات التي ارتفعت قبل نهايته، مهدّدة بأنّ الدولة لن تتمكن من دفع الرواتب، مع الإشارة الى انّ هذا الرقم بحسب مصادر متابعة قريب من حجم الخسائر الشهريّة لخزينة الدولة اللبنانية.
بعد انتهاء الشهر الماضي، عادت نغمة الرواتب الى الواجهة مجددا، وكأنّما المطلوب هو عدم قبض الموظفين رواتبهم فيثورون، وبالتالي باتت أمنيات البعض أن تنهار خزينة الدولة لاستثمار انهيارها فيما يجري اليوم، ضاربين بعرض الحائط مصلحة عشرات آلاف اللبنانيين الذين ينتظرون الراتب للاستمرار.
حسنا، وفق المعلومات التي حصلت عليها “النشرة” من مصادر مطلعة، فإن الحساب رقم 36 لا يحتوي على الكثير من المال وهذه حقيقة، ولكنه يحتوي على رواتب الموظفين في القطاع العام لشهر كانون الأول الجاري وهذه حقيقة أيضا، ولكن وبحسب المعلومات فإنّ قدرة الدولة على الاستمرار بدفع الرواتب أو القيام بدورها بهذا الخصوص، ليست كبيرة، خصوصا اذا ما استمرّ التعطيل الحاصل حاليًّا، فالمسألة ليست كما يظنّ البعض بأنّ الأموال متوافرة والمشكلة في طريقة صرفها بالأشهر المقبلة بلا حكومة او موازنة، بل هي بأصل وجود المال في الخزينة العامة.
تراجعت مداخيل الدولة اللبنانيّة بشكل كبير بعد التطورات التي حصلت في الشارع، وما رافقها في السياسة والإقتصاد والمال والمصارف، واليوم باتت إيرادات الدولة شبه متوقّفة لأنّأحدا (بشكل عام) لا يقوم بواجباته الضريبيّة، لا الأفراد ولا الشركات، وهذا الأمر سيستمرّ الى فترة لن تكون قريبة لأنّ الأعمال متوقّفة والفصول باتت متداخلة، والتصاريح الضريبية باتت مؤجلة، الامر الذي سيؤجل المقبلة منها أيضا والتي لا يمكن أن تُنجز قبل إنجاز ما قبلها، وعمل المرفأ يكاد لا يُذكر بسبب توقّف حركة الاستيراد من الخارج، او التصدير الى الخارج، حيث تشير مصادر مطّلعة على عمل المرفأ الى أنّ إيراداته انخفضت بمعدل 80 بالمئة، كذلك الامر بالنسبة لعمل مطار بيروت الذي يعاني من شحّ في حركة المسافرين والبضائع.
لا تتوقف حالة الدولة الماليّة هنا، فلا فواتير الكهرباء تُدفع في مواعيدها، ولا فواتير الماء كذلك، ولا أصحاب السيّارات يلتزمون بأوقات دفع “رسوم الميكانيك”، وبالتّالي يمكن الاستنتاج حجم الخسارة الماليّة الضخمة اليومية للدولة.
وهنا تلفت المصادر النظر الى أن وزير المال علي حسن خليل أعطى تعليماته بإيلاء الرواتب الاولويّة على كل ما عداها، وهو يسعى جاهدا لتأمينها بشكل مستمر.
اذا، أصبح تشكيل الحكومة وعودة انتظام عمل المؤسسات شرطًا ملحًّا لاستمرار الحياة في الدولة اللبنانيّة، الا اذا كان الانهيار هدف البعض، مع العلم بأنّه لن يعني انتصار فريق على آخر، ولا معارضة على سلطة، إنما خسارة للمواطن وللوطن فقط لا غير.