ليست المرة الأولى التي يتماهى فيها اتحاد نقابات موظفي المصارف مع جمعية المصارف بذريعة أن حماية القطاع المصرفي تحمي ديمومة عملهم. فبدلاً من أن تهتم النقابة بحماية حقوق 4500 موظّف صرفتهم المصارف تعسفياً في الفترة الماضية، ونحو 8000 موظف مهددين بالصرف في الفترة المقبلة، سجّل اتحاد نقابات موظفي المصارف تضامنه مع أصحاب المصارف في إضراب أمس واليوم. ولم يكتف بذلك، بل قرّر انتقاد القضاء الذي أصدر قرارات بحجز موجودات المصارف وأملاكها لتحصيل حقوق المودعين.
في الأسبوع الماضي، اشتدّ الكباش بين المصارف والنائبة العامة القاضية غادة عون التي حجزت على أموال وعقارات خمسة مصارف ورؤساء مجالس إداراتها ومنعتهم من السفر. رداً على ذلك أعلنت جمعية المصارف تنفيذ إضراب تحذيري يومي الاثنين (أمس) والثلاثاء (اليوم) في محاولة للتأثير في القرارات القضائية. إلا أن بعضها ألزم بعض الموظفين الحضور إلى مكاتبهم وأقفل أبوابه في وجه الزبائن لمنع أصحاب الحسابات من سحب ما تبقى من رواتبهم وما يتلقونه من تحويلات من المغتربين. وهي عملية ابتزاز واضحة، لاقتها نقابات موظفي المصارف بحجّة أن «من مصلحة الموظف حماية القطاع المصرفي، بوجه التجنّي وتخطي أصول العمل القضائي»، على حد تعبير رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج. الأخير يرى أن «الإضراب ليس موجّهاً ضد المودعين، إنما هو صرخة ضدّ الإجراءات القضائية التعسّفية، التي ستؤدي إلى انهيار القطاع، وسيكون الضرر على الموظفين مزدوجاً كونهم مودعين وأجراء في الآن عينه».
ad
بدفاعها عن المصارف وتقديم فروض الطاعة لها، تفترض النقابات أنها تحمي القطاع وبالتالي الموظفين. لكنها عملياً، تمارس الإنكار نفسه الذي تمارسه المصارف ومصرف لبنان والجزء الأكبر من قوى السلطة، أي إنكار الأزمة. فالأموال تبدّدت، والإفلاس حصل ومن تداعياته صرف نحو 4500 موظف وفق بروتوكولات صرفٍ تختلف بين مصرف وآخر بحسب أهواء مالكيها ورغباتهم وتصوّراتهم. لكن المشكلة لا تقتصر على ذلك، بل إن هناك نقاشاً داخل جمعية المصارف حول صرف نحو 8000 موظّف إضافي، حتى قبل اتخاذ قرار إعادة هيكلة القطاع وما سيستتبعه من موجة صرف جماعي عند إقفال عدد من المصارف أبوابها نهائياً. لذا، كان منطقياً أن ينصبّ تركيز النقابات اليوم على هذا الحدث ومواجهته من خلال تأمين الحماية لهؤلاء الموظفين من تعسّف أصحاب المصارف التاريخي بوجه الموظفين والتعامل بحذر وحساسية اجتماعية عالية مع عمليات الصرف الجماعية، إلا أن اتحاد نقابات المصارف قرر الوقوف في صف المموّلين مراهناً على استمرار هذه المصارف أو حتى لمصالح بعض أعضائه المحسوبة سياسياً على هذا الطرف أو ذاك. والمشكلة أن المصارف نفسها لا تتجرأ على الإقفال التام وتمارس على الموظفين سلطة رب العمل الرأسمالي حتى الرمق الأخير.
هل من واجب نقابة موظفي المصارف إصدار بيان تضامني مع جمعية المصارف تتخّذ فيه الموظفين درعاً لحماية المصارف؟ الحاج يرفض هذا التوصيف، مذكراً بأن «مشكلات الموظفين مع المصارف أكبر من مشكلات المودعين»، لكنه يعبّر عن ذلك بالإشارة إلى الآتي: «نتمنى الوصول إلى اتفاقيات صرف جماعية شرط أن يقف الموظفون مع أنفسهم ومعنا»!