نقل الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا… هل تنفع استراتيجية الترقيع؟ – بقلم: فارس سعد

أبرمت كل من مصر و”إسرائيل” والاتحاد الأوروبي اتفاقاً ثلاثيًا في القاهرة في حزيران المنصرم حول تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعي من البحر الفلسطيني إلى أوروبا بعد تسييله في المحطات المصرية المعدة لذلك. وتأتي هذه الخطوة وسط مساعٍ أوروبية “للتخلص من اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي” وفق ما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية “فون دير لاين” في مؤتمرها الصحافي مع الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، متطلعة إلى دول شرق البحر المتوسط للمساعدة في سد فجوة الطاقة.

ووفقاً لما ذكره “راديو كان” الإسرائيلي فإن مدة الاتفاقية تبلغ 3 سنوات، مع احتمال تمديدها لعاميين آخرين. كذلك سيقوم الاتحاد الأوروبي في إطار الاتفاقية على تشجيع الشركات الأوروبية للمشاركة في مناقصات التنقيب عن الغاز الطبيعي وإنتاجه في المياه الاقتصادية لفلسطين المحتلة ومصر.

إن الإمداد الذي تم الاتفاق بشأنه عبر الاتفاق الثلاثي لن يكون كافياً بمفرده لسد الفجوة التي خلفتها المواقف الروسية والأوروبية تجاه ما يجري في سوق النفط، فالاتفاقية الأخيرة لا تحدد أي جدول زمني لزيادة تدفقات الغاز الطبيعي المسال من مصر، أو لبناء خط أنابيب جديد لشحن كميات إضافية من الغاز الإسرائيلي إلى مصر، وهو ما يعني أن روسيا ستظل المسيطرة على سوق الطاقة في أوروبا. مما سيضمن لروسيا المضي قدماً في خططها المتعلقة بأوكرانيا، وضمان استمرار الضغط على أوروبا بورقة الطاقة.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن دعمه لإنشاء مشروع خط أنابيب في البحر المتوسط لنقل الغاز الطبيعي من “إسرائيل” إلى أوروبا، وحدد موعدًا مستهدفًا لاستكماله في عام 2025. كذلك خط الأنابيب الذي يمتد لمسافة 200 كيلومتر لربط حقول الغاز قبالة سواحل فلسطين المحتلة وقبرص باليونان، وربما إيطاليا، بتكلفة تصل إلى ستة مليارات يورو.

وعند مقارنة جميع مشروعات شرق المتوسط (إسرائيل ومصر وقبرص وتركيا وغيرها) فإن هذه الدول لا يمكنها جميعًا أن تزود دول أوروبا بأكثر من 3 مليارات قدم مكعب يومياً تمثل نسبة 10 في المئة فقط مقارنة بالغاز الروسي. والمعنى أنه من الصعوبة سد حاجة أوروبا بالكامل من الغاز، لكن تبقى مصر قادرة على سد جزء من تلك الحاجة، على اعتبار أن لديها مصادر ضخمة للغاز، وهناك أيضاً اكتشافات جديدة، وأنها طرف مساهم مهم في جزء من الحاجة الدولية للطاقة خلال السنوات المقبلة، على الرغم من القناعة الكاملة بأن أوروبا لن تستغني عن روسيا.

بالإضافة إلى أن الاتفاق الثلاثي سيكون جزءًا من كل في إطار البحث الأوروبي عن البدائل المهمة لتعويض الغاز الروسي، ولن يكون وحده هو الأساس، وهو ما تدركه روسيا جيدًا وتراهن عليه بالفعل، ولهذا لم تبدِ أية تحفظات على ما يجري في صورة واضحة، وإن كانت روسيا تتابع وتقارن وتراهن في المدى الطويل على مصالحها الكبرى مع أوروبا في حال انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، وحسم الخيارات العسكرية والاتجاه إلى الحلول السياسية بعد أن تكون قد استوفت مخططها الرئيس.

وكان بيان لشركة “غازبروم” الروسية قد كشف أن روسيا صدّرت في عام 2021 “185.1 مليار متر مكعب” منها حوالي 155 مليار متر مكعب إلى دول الاتحاد الأوروبي من الغاز، و140 مليار متر مكعب تمثل عمليات تسليم عبر خطوط الأنابيب، حيث بلغ متوسط العرض الشهري في عام 2021 حوالي “11.6 مليار متر مكعب”.

وبشكل تفصيلي، تورّد روسيا الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر نورد ستريم (بسعة 55 مليار متر مكعب سنويًا)، وخط أنابيب الغاز يامال – أوروبا (33 مليار متر مكعب سنويًا)، وعبر أوكرانيا يجب على روسيا في عام 2022 أن تزود ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب عبر هذا الطريق.

ولهذا يمكن القول أنه ولو دخلت “إسرائيل” على خط تصدير الغاز إلى أوروبا فهي لا يمكن أن تعوّض الغاز الروسي؛ فإذا كانت صادرات روسيا لأوروبا وحدها كما أشرنا في هذا النص، تساوي 155 مليار متر مكعب، فإن “إسرائيل” تحتاج بضع سنوات ليصل كامل إنتاجها من الغاز إلى 40 مليار متر مكعب. ولا يساوي هذا المقدار إلا ربع صادرات روسيا للاتحاد الأوروبي، كما أنه سيوزع على حاجات “إسرائيل” نفسها، واتفاقياتها الملزمة لكل من الأردن ومصر. ولن تستطيع تل أبيب تصدير إنتاجها كله إلى أوروبا، كما أن الغاز الإسرائيلي أعلى تكلفة من الغاز الروسي، ويحتاج وقتا أطول، وربما لاحقًا استثمارًا أكبر في البنية التحتية. بالإضافة إلى أن الغاز الروسي يصل إلى أوروبا بسرعة كبيرة عبر الأنابيب.

وهناك مجموعة من المخاوف، أولها أن أوروبا لا تستطيع اليوم إنهاء الاعتماد بشكل كلي على الغاز الروسي، بل ارتفع شراؤها لهذا لغاز خلال العام 2022 عن الأعوام السابقة، سواء بسبب ازدياد الحاجة للغاز، أو خوفًا من انقطاعات مستقبلية عن طريق تخزين الفائض.

بل إن شركات أوروبية متعددة اضطرت للموافقة على شروط روسيا للدفع بالروبل، رغم اعتباره من طرف شركات أخرى بمثابة ابتزاز للمستوردين. ورغم رفض الدفع بالروبل على المستوى السياسي، لكن تلك الشركات لم يكن أمامها خيار آخر سوى الانصياع للمطالب الروسية، خصوصًا أن موسكو أثبتت جديتها بقطع الغاز عن بلغاريا وبولندا.

وفي مارس (آذار) 2022 صرح سعد شريدة الكعبي، وزير الطاقة القطري، بأنه لا أحد يستطيع تبديل روسيا حاليًا، وأن بلاده غير قادرة على تأمين الكميات التي تستوردها أوروبا من روسيا في الوقت الحالي من الغاز الروسي، بل لا أحد يستطيع ذلك. لذا كان من المهم للاتحاد الأوروبي أن يطرق جميع الأبواب المتاحة، لتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي إن لم يكن بإمكانه إنهاء هذا الاعتماد بشكل كامل.

لا شك أن الجغرافيا تحكم اختيارات أوروبا في ما يخص استيراد الغاز. فهي لا تستطيع استيراده من أستراليا مثلًا، والتي تصدر 99% من غازها لآسيا، وذلك لأن روسيا هي الوجهة المنطقية للأوروبيين.

كما يبدو الخيار القطري – مثلًا – بعيدًا جغرافيًا، وربما صعب المنال بسبب العديد من المعوقات والصعوبات، بينما يصبح الغاز الإسرائيلي الأقرب، إذ يمتلك بالفعل نفاذية للبنية التحتية للطاقة في مصر، والتي تمتلك بدورها موانئ هي الأقرب للتصدير لأوروبا. ولذلك يصبح الاستيراد من “إسرائيل” مهمًا وعمليًا لأوروبا، ولكن لا يسد الحاجة الأوروبية أبدًا، فماذا عن الجهة المُصدِّرة من هذه المعادلة؟

في الختام يمكننا التأكيد أن اتفاقات “إسرائيل” مع كل من الأردن ومصر أخذت بعدًا سياسيًا أكثر منه اقتصاديًا، إذ كانت ضمن إستراتيجية أميركية لربط “إسرائيل” ودمجها بالاقتصادات العربية المجاورة (تبلغ تكلفة استيراد الغاز الأردني عشرة مليارات دولار على مدار 15 عامًا، ومع مصر 20 مليار دولار لنفس الفترة)، وجعل الدول العربية معتمدة على مستوردات الطاقة من “إسرائيل”، وتشبيك بنيتها التحتية بالبنية التحتية الإسرائيلية، بما في ذلك خط الغاز العربي الذي يربط مصر والأردن وسورية ولبنان ببعضها.

تلعب اتفاقات الطاقة بين “إسرائيل” وكل من مصر والأردن في صالح إستراتيجية أميركا لتثبيت التطبيع على الأساس الاقتصادي. ووضعت الولايات المتحدة ضمن إستراتيجيتها أيضًا إمكانية استخدام الغاز الإسرائيلي مستقبلًا لتقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، لكن منْ المستفيد الأكبر من اتفاق الاتحاد الأوروبي مع مصر و”إسرائيل”؟

يحقق الاحتلال الإسرائيلي، تقدمًا في مجال الاندماج مع العالم العربي، بل يستخدم موانئ مصر لتصدير الغاز لأوروبا، وليس مجرد التصدير للدول العربية المجاورة. ورغم أن مصر تصدر كميات قليلة من الغاز أيضًا، فإن الطلب المحلي يحول دون رفع هذه الكميات أكثر من واقعها الحالي، والمقتصر على تصدير ما يقارب تسعة مليارات متر مكعب، رغم أنها تستورد الغاز من “إسرائيل” نتيجة لاتفاقيات ملزمة بذلك.

وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، “وافقت “إسرائيل”، على ضخ غاز طبيعي بمليارات الدولارات إلى أوروبا عبر منشآت تسييل مصرية، في الوقت الذي أوقفت فيه روسيا الإمدادات وباتت القارة تتخبط لإعادة ملء خزاناتها شبه الفارغة. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون جير لاين في القدس، قبل يوم من توجهها إلى القاهرة، إن مذكرة التفاهم التاريخية، والتي وقعها كل من وزيري الطاقة الاسرائيلي والمصري وممثلي المفوضية الأوروبية، تهدف إلى خلاص أوروبا من “ابتزاز” الطاقة الروسي. وقال إسحاق ليفانون، الذي شغل منصب سفير “إسرائيل” في مصر من العام 2009 إلى العام 2011، إن “هذا التعاون الفني العام، الذي يأتي لمساعدة أوروبا، التي نحن أقرب البلدان في المنطقة إليها، مهم للغاية”.

وتابعت الصحيفة، “بالمحصلة، إن مساهمة شرق البحر المتوسط بتأمين الغاز الطبيعي لأوروبا ستكون بمثابة كمية ضئيلة مقارنة بالإمدادت الروسية، لكنها ستكون جزءاً من استراتيجية الترقيع، والمتمثلة بتأمين الطاقة من مصادر عدة حول العالم، لسد العجز الذي خلفته روسيا.

عموماً تبدو فرص نجاح المشروع الإسرائيلي منخفضة نسبياً. فالجدوى الاقتصادية غير مؤكدة. وهو ما انعكس على الدعم الأميركي له. وهنا قد يعد الغاز القطري في حال انضمامه للمشروع كفة راجحة له. ولكن دونه عقبات أيضاً. من أهمها عدم وجود بنية تحتية قطرية لتصدير الغاز الطبيعي. فقطر تعتمد على تسييل الغاز ونقله عبر الناقلات.

كادر
………..

قائمة دول أكبر منتجي الغاز في العالم 2022:

المرتبة الأولى: الولايات المتحدة الأميركية.
المرتبة الثانية: روسيا.
المرتبة الثالثة: إيران.
المرتبة الرابعة: قطر.
المرتبة الخامسة: كندا.
المرتبة السادسة: الصين.
المرتبة السابعة: النرويج.
المرتبة الثامنة: الاتحاد الأوروبي.
المرتبة التاسعة: المملكة العربية السعودية.
المرتبة العاشرة: أندونيسيا.

ترتيب الدول المصدرة للغاز

فيما يأتي قائمة ترتيب الدول المصدرة للغاز الطبيعي حول حوال العالم:
روسيا وتصدر حوالي 238.1 مليار متر مكعب سنويًا.
أميركا تصدر 137.5 مليار متر مكعب سنويًا.
قطر تصدر 127.9 مليار متر مكعب سنويًا.
النرويج تصدر 111.2 مليار متر مكعب سنويًا.
أستراليا تصدر 106.2 مليار متر مكعب سنويًا.
كندا تصدر 68.2 مليار متر مكعب سنويًا.
الجزائر تصدر 41.1 مليار متر مكعب سنويًا.
نيجيريا تصدر 28.4 مليار متر مكعب سنويًا.
هولندا تصدر 28.1 مليار متر مكعب سنويًا.
أندونيسيا تصدر 24.1 مليار متر مكعب سنويًا

 

المادة السابقةتراجع في أسعار المحروقات
المقالة القادمةفوضى الطاقة الشمسية: في منازلنا محطات كهرباء