نهاية الحرب تعيد لاحتياطات “المركزي” استقرارها

اكتسبت البيانات الماليّة الأخيرة التي أفصح عنها مصرف لبنان أهميّة استثنائيّة، لكونها تعرض التحوّلات في ميزانيّة المصرف خلال النصف الأوّل من الشهر الراهن، أي خلال أوّل فترة كاملة تلي تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. الواضح من هذه الأرقام، هو أنّ مصرف لبنان تخلّص من الضغوط الماليّة والنقديّة التي واكبت اتّساع نطاق الحرب، والتي أفضت سابقًا إلى تناقص تدريجي في حجم احتياطات المصرف.

وخلال النصف الأوّل من الشهر الحالي، عاد حجم الاحتياطات ليستقر، بل وليسجّل زيادة طفيفة، بخلاف ما جرى خلال الشهرين السابقين. أمّا حجم السيولة المتاولة بالليرة، فسجّل زيادة ملحوظة، وإن بكميات لا يفترض أن تؤثّر على الاستقرار النقدي في الأسواق.

زيادة العملات الأجنبيّة والذهب
خلال النصف الأوّل من هذا الشهر، ارتفع حجم احتياطات العملات الأجنبيّة التي بحوزة مصرف لبنان من 10.15 مليار دولار أميركيّ في بداية الشهر، إلى نحو 10.18 في منتصفه، وهو ما عكس زيادة إجماليّة -ومحدودة- بقيمة 25.86 مليون دولار أميركي.

وبشكل عام، يمكن القول أنّ حجم الاحتياطات الراهن بات أعلى بقيمة 1.6 مليار دولار، مقارنة ببداية آب 2023، بفعل مواظبة مصرف لبنان –منذ تلك الفترة- على شراء الدولارات من السوق الموازية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ المصرف المركزي كان طوال هذه الفترة يمتص السيولة المتداولة بالليرة من الأسواق، من خلال مراكمة أموال القطاع لديه، في مقابل الليرات التي يستعملها لشراء الدولار من السوق الموازية.

احتياطات الذهب شهدت خلال الفترة نفسها ارتفاعًا موازيًا، من 24.58 مليار دولار في بداية الشهر، إلى ما يقارب الـ 24.63 مليار دولار في منتصفه، لتعكس بذلك زيادة إجماليّة قدرها 55.79 مليون دولار أميركي. ومن المعلوم أن المصرف المركزي يوائم قيمة احتياطات الذهب الموجودة بحوزته، وفقًا لأسعار الذهب العالميّة الرائجة، وهو ما يشير إلى أنّ هذه الزيادة ناتجة أساسًا عن الارتفاع الأخير في أسعار الذهب.

وعلى أي حال، من المهم التنويه إلى أنّ قيمة احتياطات الذهب هذه لم تكن توازي أكثر من 18.84 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي، ما يعني أنّ مصرف لبنان حقق مكاسب بقيمة 5.79 مليار دولار في ميزانيّته، خلال فترة سنة، جرّاء تغيّر أسعار الذهب في الأسواق العالميّة.

أرقام الكتلة النقديّة
الملفت للنظر في أرقام مصرف لبنان، هو التضخّم المحدود في حجم السيولة المتداولة -أو الكتلة النقديّة المتداولة- بالليرة اللبنانيّة، والتي ارتفع حجمها من 49.82 ترليون ليرة لبنانيّة في بداية كانون الأوّل، إلى نحو 55.81 ترليون ليرة لبنانيّة في منتصف الشهر. وبذلك تكون قيمة الليرات التي ضخّها مصرف لبنان في السوق تقارب الـ 66.98 مليون دولار أميركي، إذا ما قمنا باحتسابها وفق أسعار الصرف الرائجة اليوم. وبتحليل هذه الأرقام، يتّضح أن المصرف المركزي اضطرّ لخلق هذه القيمة من السيولة بالليرة اللبنانيّة، للتمكّن من شراء الدولارات وزيادة احتياطاته.

في جانب المطلوبات من الميزانيّة أيضًا، ارتفع حجم ودائع القطاع العام -حسابات الدولة- لدى مصرف لبنان بقيمة 59.26 مليون دولار، ليتخطّى -في منتصف هذا الشهر- حدود الـ 6.04 مليار دولار. وهذا ما يشير إلى استمرار الدولة باعتماد نفس السياسة التقشّفية، التي أدّت منذ العام الماضي إلى مراكمة أموالها لدى مصرف لبنان، والامتناع عن إنفاقها. مع العلم أنّ حسابات القطاع العام لدى مصرف لبنان شهدت سابقًا بعض الانخفاضات المحدودة، خلال الفترة التي اتّسع خلالها نطاق الحرب، بفعل الحاجات الملحّة التي فرضت نفسها في ذلك الوقت.

الواضح من أرقام مصرف لبنان، هو التراجع الكبير في حجم ودائع القطاع المصرفي لدى مصرف لبنان، والتي انخفضت قيمتها بأكثر من 254.55 مليون دولار أميركي خلال النصف الأوّل من هذا الشهر. ويبدو أن هذا الانخفاض كان مربوطًا بالسحوبات الاستثنائيّة والإضافيّة، التي منحتها المصارف للمودعين، بناءً على تعاميم مصرف لبنان، والتي جرى تمويلها من احتياطات المصرف المركزي نفسه. كما يستمرّ المصرف المركزي بتمويل نصف قيمة السحوبات المعتادة من احتياطاته، وفقًا لتعاميمه السابقة، وهو ما يساهم بدوره في خفض قيمة ودائع المصارف التجاريّة لدى مصرف لبنان.

في جميع الحالات، كانت نتيجة كل هذه التطوّرات انخفاض ملحوظ في قيمة البنود الذي يعبّر عن الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان، والتي تراجعت بنحو 170 مليون دولار. وهذا الانخفاض، كان مجرّد نتيجة للمعايير المحاسبيّة التي بدأ مصرف لبنان باعتمادها منذ العام الماضي، والتي تربط حجم هذه الخسائر بأي تحوّلات في قيمة الذهب واحتياطات العملة الأجنبيّة. وفي النتيجة بات الحجم الإجمالي لهذه البنود (أو الخسائر المتراكمة) يقارب الـ 38% من إجمالي قيمة موجودات مصرف لبنان، وهو ما يمثّل المصدر الأساسي لأزمة السيولة التي يعاني منها القطاع.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةتحسّن في حركة الحجوزات لم يبلغ الرقم المأمول
المقالة القادمةامتعاض من تأخر التعويضات: خطاب “الدم” لا يرمم المنازل