طالب نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة رئيس حكومة تصريف الأعمال توفير الغطاء القانوني لإقراضها 1.2 مليار دولار لفترة 6 اشهر بمعدّل 200 مليون دولار شهرياً، وبالتالي إجهاز الدولة تدريجيا على ما تبقى من إحتياطي مصرف لبنان الإلزامي وهي أموال المودعين.
وبانتظار مرور يوم او يومين لاتخاذ نواب الحاكم قرارهم بالإستقالة ام لا، تبقى مسألة توفير الغطاء القانوني مطلباً ضرورياً من قبل النواب الأربعة وهم وسيم منصوري وبشير يقظان وسليم شاهين وألكسندر مراديان، لحماية أنفسهم من مغبة المساءلة والمحاسبة من مخالفة إقراض الدولة.
وأكدت مصادر قانونية وقضائية ان التغطية التي يفتش عنها نواب الحاكم يمكن الطعن بها دستوريا حتى لو كانت بصيغة قانون من مجلس النواب وهذا مستبعد أصلا. فالأموال المستخدمة هي اموال الناس اي انها ملكية خاصة. وهناك مخرج ممكن مثل ان يكون الاقتراض بمثابة دين واضح المعالم وفق عقود او سندات مع ضمانات مثل ضمانة الذهب على سبيل المثال لا الحصر.
تعديل القانون
والغطاء القانوني الذي يكون بتشريع القوانين أو تعديل قانون النقد والتسليف، تحدّث عنه رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي غالب غانم لـ»نداء الوطن»، فرأى أن «قانون النقد والتسليف، يُلغى ويعدل بقانون تطبيقاً لمبدأ موازاة الأشكال. كما أن إصدار قانون عن مجلس النواب يمكن أن يتم تعديله عن الجهة نفسها وأن تُلغى أحكامه كاملة عن طريق مجلس النواب، وبالتالي المبدأ بالطلب من الحكومة التشريع لإقراض الدولة هو صحيح، أكان من خلال الغاء مادة أو بند منها أو تعديل كل القانون وذلك خلال جلسة لمجلس النواب. فمصرف لبنان استناداً الى قانون النقد والتسليف كان متشدّداً في خطوة إقراض الحكومة، اذ من حيث المبدأ لا يجب على مصرف لبنان إقراض الدولة، ولكن حصل ما حصل وتراكمت الديون وبلغت عشرات المليارت».
وأضاف إن «الأموال الموجودة في احتياطي مصرف لبنان هي احتياطي الزامي وعدم المسّ به أمر مبدئي وأخلاقي، ولكن اذا صدر قانون تعديلي عن مجلس النواب يتحمّل الأخير المسؤولية «.
وذكّر بأن «قانون النقد والتسليف رسم الآلية التي تتعامل بها الحكومة مع مصرف لبنان، والمبدأ هو الإجازة للقطاع العام والحكومة الإقتراض من مصرف لبنان بحالة استثنائية فقط، الأمر الذي تكرّر على مرّ السنوات بسبب الإنهيار، فتمّ استخدام احتياطي مصرف لبنان لتموّل الدولة احتياجاتها».
القانون يقيّد إقراض الدولة
وأكد المحامي الدكتور رزق زغيب كلام القاضي غانم، اذ شدّد على أن «قانون النقد والتسليف يقيّد إمكانية إقراض الدولة ويجعله خياراً أخيراً امام حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي، لذلك يطالب نواب الحاكم بتعديل قانون النقد والتسليف او صدور قانون لاحق يجيز لمصرف لبنان إقراض الدولة بمعدلات محددة وبآلية معينة».
في الغضون وكما تبدو الأمور فان جلّ ما يريدون هو «رفع المسؤولية عنهم وتأمين التغطية القانونية لتبديد أموال الإحتياطي في مصرف لبنان. فشروط إقراض الدولة استناداً الى قانون النقد والتسليف بأيام العزّ كانت ضيقة، وتمّ تجاوزها على أرض الواقع، لذلك يطالب نواب الحاكم اليوم مجلس النواب بإصدار قانون يجيز لهم الإقدام على تلك الخطوة».
هذا يطرح تساؤلاً حول مدى التزام النواب بالتشريع لا سيما المعارضة التي تعتبر نفسها هيئة ناخبة؟ شكّل هذا الطرح جدلية تمّت معالجتها سابقاً، وفي هذا السياق يوضح زغيب أن «عدداً من النواب المعارضين يعتبرون المجلس هيئة ناخبة لانتخاب رئيس للجمهورية فقط. ولكن المجلس الدستوري أكد أنه يجوز لمجلس النواب التشريع حتى في فترة الشغور الرئاسي لأن المؤسسات لا يمكن ان تفقد سلاحها وصلاحياتها وبالتالي حصر نشاطها بمهمة واحدة. ولكن بوجود حكومة تصريف اعمال يقتضي أن يكون التشريع فقط للأمور الأساسية لاستمرارية السلطة والمرافق العامة أو لحالة الضرورة. كما شرع سابقاً يمكن التشريع في مثل تلك الحالة، كما يمكن انتخاب رئيس للجمهورية وهو الأولوية».
موقف المعارضة الرافض للتشريع
واكد القاضي والنائب جورج عقيص موقف المعارضة الرافض للتشريع بل فقط لانتخاب رئيس للجمهورية. فقال لـ»نداء الوطن» ما يطلبه نواب الحاكم الأربعة، صحيح أو غير صحيح، ملائم أو غير ملائم، ولو كان سيتمّ بموجب قوانين سنرفض تشريعه في ظلّ غياب رئيس الجمهورية ولسنا مستعدين لخرق هذا المبدأ الذي ارسيناه أخيراً لأي سبب. نحن غير مستعدين للذهاب الى الهيئة العامة للتشريع معتبرين أن مجلس النواب هيئة ناخبة فقط ولا يجوز القيام بأي إجراء إلا انتخاب رئيس الجمهورية».
وبرّر مطلب نواب حاكم مصرف لبنان بالتشريع لإقراض الدولة بأنهم «متّعظون من الفترة السابقة التي كانت فيها السياستان المالية والنقدية متداخلتين، ويعتبرون أن مسؤولية الحكومة ايجاد طرق لتغطية نفقاتها لا سيما الرواتب والأجور، وأن مهمة المصرف المركزي المحافظة فقط على النقد الوطني، والتدخل في سوق القطع عند الإقتضاء لإعادة الثقة الى العملة الوطنية».
مذكّراً بأنه «لا يجوز المسّ باحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، وفي هذا السياق سبق ان قدم اقتراحاً بهذا الشأن مع النائب جورج عدوان لمنع المسّ باحتياطي «المركزي» منذ العام 2021. وبطبيعة الحال سنكون ضد المسّ بالإحتياطي الإلزامي وبإمكان الحكومة إيجاد سبل لتغطية مصاريفها بطرق عدة منها الجباية الضريبية ومكافحة الفساد وضبط الحدود من دون تبديد آخر ما تبقى من حقوق الناس».
تعدّدت التبريرات المؤيدة لمطلب توفير الغطاء القانوني لاقراض الدولة التي بددت ولا تزال أموال المودعين بسبب اعتمادها على الإستدانة نتيجة استفحال الفساد وسوء الإدارة والمحاصصات وتعاظم الدين العام، وعدم إجراء عمليات قطع حساب وإصدار موازنات غير إصلاحية وعدم الإلتزام بالقوانين الإصلاحية المطلوبة من صندوق النقد الدولي… وبقيت النتيجة واحدة وهي الإستمرار في الإقتراض لتبديد آخر فلس من أموال المودعين بدل إيجاد السبل الآيلة الى السير بالإصلاحات وتوفير المردود الكافي لنفقاتها.
قبول استقالة نواب الحاكم
إستقالة نواب حاكم مصرف لبنان بحسب المحامي رزق زغيب هي من صلاحية السلطة التي تولت التعيين، وتتم بمرسوم يصدر بعد موافقة مجلس الوزراء وبناء على اقتراح وزير المالية، علماً انه طالما لم يصدر المرسوم يمارس نواب الحاكم مهامهم كالمعتاد ولا شيء يسمى في وضعهم مرحلة تصريف اعمال. اما في حال قرروا الانقطاع عن عملهم، فيعتبرون مستقيلين بعد انقضاء خمسة عشر يوماً من تاريخ انقطاعهم عن العمل.