في 8 الجاري، وافقت وزارة الاتصالات على عقد شركة «تاتش» اتفاقاً رضائياً مع شركة «نوكيا» لتلزيمها تحديث بعض البرامج والتراخيص بقيمة 2.9 مليون دولار. وفي 12 منه، أبلغت «تاتش» هيئة الشراء العام بالأمر سنداً إلى أحكام الفقرة الأولى من المادة 46 من قانون الشراء العام، فطلبت الهيئة توضيحات بشأن قيمة العقد، لم تجب عليها الشركة حتى الآن.
غير أن مشكلة العقد الذي لم يوقّع بعد، لا تكمن في كونه بالتراضي الذي يصرّ عليه الفريق التقني، بل في طبيعة العلاقة مع «نوكيا» التي ترفض أن تتقاضى أيّ مستحقات بالليرة اللبنانية حتى ولو بسعر صرف الدولار السوقي، لأن الإدارة الرئيسية في الولايات المتحدة ترفض ذلك.
هل هناك مبرّر للتعاقد بالتراضي؟
تقول مصادر في «تاتش» إن الأشغال التي سيتم تلزيمها تتعلق بتحديثات وتراخيص على التجهيزات التي ركّبتها «نوكيا» أصلاً. وقد أصرّ الفريق التقني في «تاتش»، كونه صاحب الصلاحية في هذه المسألة، على إنجاز العقد بالتراضي لأن الخيارات البديلة أكثر كلفة، فإما توقيع العقد مع «نوكيا» لإجراء التحديثات المطلوبة على الأنظمة، أو استبدال هذه الأنظمة بكاملها. وبحسب المصادر، فإن عملية الاستبدال ممكنة، لكنها تنطوي على كلفة مالية أكبر، ومزيد من الوقت لتنفيذها عبر مناقصة، وهذان أمران لا تملكهما حالياً «تاتش» التي لم تستثمر في الشبكة منذ أربع سنوات. فيما بات الضغط على السنترالات كبيراً ويدفع المشتركين إلى الانتقال قسراً من شبكة الـ 4G إلى الـ 3G، ما ينعكس سلباً على نوعية الخدمات.
وتجيز المادة 46 من قانون الشراء العام الاتفاق الرضائي في ظروف استثنائية تتضمن «عدم توفُّر موضوع الشراء إلّا عند مورِّد أو مقاول واحد، أو عندما تكون لمورّد أو مقاول حقوق ملكية فكرية في ما يَخصّ موضوع الشراء، ويتعذّر اعتماد خيار أو بديل آخر»، وأيضاً عند «حاجة الجهة الشارية إلى التعاقد مع الملتزم الأساسي… لتوحيد المواصفات والتوافق أو التماثل مع السلع أو المعدات أو التكنولوجيا أو الخدمات أو الأشغال الـموجودة».
لكن، من يحسم ما إذا كانت قيمة الصفقة عادلة أم مبالغاً فيها؟ هذا ما تحاول هيئة الشراء العام القيام به من خلال طرح أسئلة عن الصفقة، وهو ما دفع ديوان المحاسبة إلى طلب ملف التلزيم من «تاتش» والاستماع إليها بشأن التعاقد بالتراضي.
صمت ديوان المحاسبة حتى الآن عن العقد بالتراضي لا يمنحه صفة شرعية، لكن ثمة مشكلة أخرى تمنع توقيع العقد، تتمثل في رفض الإدارة الرئيسية في الولايات المتحدة تقاضي أي أموال من «تاتش»، ومن «ألفا» أيضاً، إلا بتحويل مصرفي إلى الخارج بالدولار، أي أنها ترفض أن تتقاضى الليرة اللبنانية وأن تقوم بتحويلها بنفسها عبر الصرافين إلى دولارات. وهذه ستكون الأزمة الحقيقية التي ستواجه شركتَي الخلوي في الفترة المقبلة لأن المورّدين الأجانب يطلبون تقاضي مستحقاتهم بالدولار النقدي أو المحوّل إلى الخارج وليس بالليرة، علماً بأن معظم إيرادات الشركة هي بالليرة. لذا، تبدو الضجّة المثارة حول عقد بالتراضي، أمراً ثانوياً قياساً إلى المشكلة الفعلية، ولا سيما أنّ لـ«نوكيا» مستحقات سابقة لدى «تاتش» بقيمة 3 ملايين دولار ترفض تقاضيها حتى الآن.