انتحاريّ هو من سيقبل تعيينه في موقع حاكمية مصرف لبنان قبل يومين من انتهاء ولاية رياض سلامة؟ وأي عاقل سيقبل ان يأخذ على عاتقه الاستمرار بسياسة الحكومة وسلامة (والمنظومة) التي تحمل عنوان «هدر ما تبقى من اموال المودعين» من دون غطاء قانوني؟
إذا توفر هذا المرشّح وتم تعيينه في جلسة الحكومة اليوم (وهذ مستبعد)، فهو سيُتّهم قبل ان يلفظ أي كلمة او يصدر اي قرار، بولائه لسياسات الطبقة الحاكمة وبقراره مواصلة تمويل الحكومة على حساب المودعين (وتحديداً من التوظيفات الالزامية الباقية في مصرف لبنان)، لان رئيسي الحكومة ومجلس النواب أكدا استحالة تشريع اية قوانين في الوقت الحالي قبل انتخاب رئيس للجمهورية. ما يعني ان ما طالب به نواب الحاكم من شروط لادارة البنك المركزي لن يحصل عليها أيضا الحاكم الجديد، وسيكون عليه بالتالي الموافقة على مخالفة قانون النقد والتسليف كشرط أوّل لتعيينه حاكماً. واذا تحلى بالجرأة والشجاعة عليه تحمل تبعات قرارات غير شعبية ومعادية لاطراف في المنظومة السياسية والمصرفية، اي على نسق اسلوب الحاكم السابق الصارم لمصرف لبنان ادمون نعيم. وربما اذا استطاع الصمود واطلاق تنفيذ الاصلاح المنشود في البنك المركزي يشكل قاطرة لجملة الاصلاحات الأخرى مالياً واقتصادياً ومصرفياً.
سيناريوات وسياسات
اما في حال فشل الحكومة في تعيين حاكم جديد اليوم، واضطرار نواب الحاكم قسرا الى تسلّم هذه المهمّة ولكن من دون تنفيذ شروطهم المسبقة التي وضعوها ضمن خطة الستة أشهر ومن دون تأمين الغطاء القانوني لهم لمواصلة دعم الحكومة مالياً والحفاظ على الاستقرار النقدي كما تطالب الحكومة، فما هي إذاً السياسة التي سيتّبعونها خصوصاً بعد رفض مجلس شورى الدولة امس امكانية استقراض الحكومة من مصرف لبنان؟ وهل باستطاعتهم تحرير سعر الصرف كما يخططون؟ او الاستمرار بمنح الحكومة 200 مليون دولار شهرياً رغم قرار مجلس شورى الدولة؟ ومن أين سيؤمنون تلك الاموال في حال أصرّوا على موقفهم الرافض المس بالاحتياطي الالزامي (التوظيفات الالزامية)، والذي عبّروا عنه في كتبهم المرسلة الى وزير المال والتي تؤكد انهم منذ تسلمهم مهامهم في 2020 وهم معارضون لهذا النهج، مشيرين الى انه أدّى الى تدني الارصدة المتوفرة بالعملات الاجنبية لدى البنك المركزي عن مستوى التوظيفات الالزامية.
تسلّم المهمة قسراً
في هذا الاطار، أوضحت مصادر مصرفية مطّلعة ان نواب الحاكم سيتسلمون سدّة الحاكمية قسرا، لافتة الى ان موقف المجلس المركزي لمصرف لبنان لطالما كان، «على الورق» رافضاً للسياسة المتّبعة من قبل سلامة خصوصاً التدخل القائم عبر صيرفة من اموال الاحتياطي، إلا ان القرار التنفيذي كان لسلامة الذي قبل ان يتحمّل وزره منفرداً. واشارت الى ان المجلس المركزي بوجود سلامة كان معارضاً لبعض تلك القرارات، «فكيف الحال بغيابه؟ نظرياً لن يقبلوا، ولكن تنفيذياً، ما هو البديل؟ وهل سيمتنعون عن تمويل الدولة بـ200 مليون دولار شهرياً؟ هل سيوقفون التدخل عبر صيرفة؟».
فتوى حكومية
واكدت المصادر ان الحكومة ستلجأ الى معالجة هذه المشكلة من خلال «فتوى» اقرار مجلس الوزراء عقد استقراض من مصرف لبنان بقيمة 200 مليون دولار، على غرار السابقة التي قامت بها الحكومة في تشرين الثاني 2022 من خلال التحايل على القوانين حيث اصدرت بدلا من مجلس النواب قراراً باتمام عقد استقراض بقيمة 300 مليون دولار لتمويل الكهرباء، من خلال تغيير تسمية العقد وتصويره على انه سلفة خزينة من الحكومة الى مؤسسة الكهرباء توضع في حساب الخزينة في مصرف لبنان الذي قام بدوره بتحويلها من الليرة الى الدولار. وبالتالي، رأت المصادر انه يمكن اللجوء الى هذا التحايل، رغم تأكيدها ان المسّ بالاحتياطي الالزامي يتطلب صدور قانون عن مجلس النواب، فقط لا غير!
تمويل الحكومة
وإذ اشارت الى مطالبات النواب واللجان النيابية منذ اندلاع الازمة باقرار الاصلاحات وتطبيقها، لفتت الى انه عندما طالبهم نواب الحاكم بذلك تهرّبوا من المسؤولية! وبالتالي عندما يكون القرار غير شعبي او يمس بمصالح المنظومة، لا يتجرّأ احد على تحمّل عواقبه.
واعتبرت المصادر ان نواب الحاكم سيضطرون الى تحمّل عواقب اي قرار اصلاحي قد يقدمون عليه، وسيتعرّضون لهجوم شرس ولضغوطات شعبية قد تتمثل بالتظاهرات والاعتصامات، وسيحمّلونهم مسؤولية «انفجار الوضع المالي والاجتماعي» حين ينقطع تمويل أوجيرو ويتوقف الانترنت او يتعذر تمويل رواتب القطاع العام على صيرفة، مما قد يدفعهم الى الرضوخ في النهاية لعدم قدرتهم على التحمّل ويعودون للسير بنهج سلامة المخالف للقانون (ولكن بتغطية من مجلس الوزراء)!
تحرير سعر الصرف
كذلك الامر بالنسبة لتحرير سعر الصرف، فان نواب الحاكم يرغبون في تحريره ويملكون تلك الارادة ولكنهم سيعجزون عن تطبيقه لعدم قدرتهم على تحمّل تبعات فرط الاستقرار النقدي القائم، لوحدهم من دون دعم سياسي، ولو ان ذلك هو الاصلاح المطلوب والمنشود.
وذكّرت المصادر ان رياض سلامة بعظمته المزعومة وادعاء علاقاته الدولية وحضوره القوي في قلب النظومة، كان يرضخ ويخضع للمطالب السياسية، فكيف الحال بالنسبة لنواب الحاكم؟ هل سيصمدون بوجه تلك العصابة؟ فاذا نفذوا الاوامر، ستسهل ادانتهم من أفواههم!
وختمت: لا تكفي الرغبة وحدها بالتغيير. القدرة على التغيير هي الاساس! وهذا ما لن توفره الطبقة الحاكمة لاي حاكم او نائب له او مجلس مركزي!