مع طرح بند التعيينات في مصرف لبنان اليوم على جدول أعمال مجلس الوزراء، اعتبر أحد كبار الموظفين السابقين في مصرف لبنان، انّ تحميل الطاقم القديم من نواب الحاكم او اعضاء لجنة الرقابة على المصارف او هيئة التحقيق الخاصة، مسؤولية الأزمة المالية والنقدية التي يعاني منها القطاع المصرفي اليوم، ليس بالاتهام الموضوعي، مشيراً، انّه على غرار عدم صوابية شعار «كلن يعني كلن» في ما يتعلَّق بالطبقة السياسية، بسبب وجود أشخاص كفوئين ونزيهين فعلاً، فالقطاع المصرفي يضمّ أيضاً كيانات نزيهة قامت بكامل واجبها الوظيفي.
في نيسان من العام 2016، قام وفد مشترك من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ببرنامج تقييم القطاع المالي اللبنانيfinancial sector assessment program (FSAP) وأبلغوا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة انّ القطاع على حافة الانهيار. رغم ذلك، شرع مصرف لبنان بالهندسات المالية لتأمين الدولارات وتمويل عجز الدولة، وكانت نقطة التحوّل التي أدّت الى انهيار النظام المصرفي حالياً.
لا تقع المسؤولية فقط على حاكم مصرف لبنان، الذي تعرَّض للضغوطات السياسية لتأمين استمرارية تمويل عجز الدولة، بل أيضاً على المصارف التي دفعها طمعها لتحقيق الأرباح، الى التورط أكثر من طاقتها والمخاطرة بودائع عملائها وصولاً الى خسارتها.
وكشف أحد العاملين سابقاً في أعلى المراكز في مصرف لبنان لـ»الجمهورية»، انّ مسؤولية انهيار النظام المصرفي، لا تقع أيضاً على عاتق لجنة الرقابة على المصارف إذ انّ الاخيرة لا يمكنها أخذ القرارات في حق المصارف المخالفة، بل تكتفي في إطار صلاحياتها، برفع توصياتها وتقاريرها حول مخالفات المصارف الى حاكم مصرف لبنان، الذي بدوره يقرّر تحويل المصرف المعني الى الهيئة المصرفية العليا لاتخاذ العقوبات الإدارية المنصوص عنها في المادة 208 من قانون النقد والتسليف، أو طمر الملفات، لأنّه على دراية انّ كلّ مصرف لديه مرجعية سياسية ستضغط عليه للحؤول دون معاقبة المصرف المخالف.
واكّد المصدر المصرفي، انّ 6 مصارف على الأقل، لا تتمتّع حالياً بوضع مالي سليم من حيث الملاءة والسيولة، لكنها محميّة سياسياً ولا يمكن ان تُوجَّه اليها اي اتهامات او انذارات، وبالتالي في حال تمّ الاتفاق على إعادة هيكلة القطاع المصرفي، فيجب أولاً تصفية تلك البنوك، على أن يستحوذ عليها مصرف لبنان مقابل صفر دولار.
وأوضح، انّ عملية الإنقاذ وإعادة هيكلة القطاع المصرفي تبدآن عبر شطب البنوك غير السليمة، والتي يعرفها مصرف لبنان. بالإضافة الى ذلك هناك 9 مجموعات مصرفية تملك 23 رخصة لمزاولة العمل المصرفي، يجب تقليصها الى 9 رخص، من اجل خفض اجمالي عدد المصارف الى حوالى 24 مصرفاً فقط، على أن يُصار لاحقاً الى تعيين مؤسسات دولية لتقييم وضع كلّ منها، وتحديد المصارف التي يمكن إنقاذها.
وشدّد المصدر، على انّ سلامة المصارف لا تتعلق بنسبة تعرّضها للسندات السيادية وسندات «اليوروبوند» التي تبلغ قيمتها الاجمالية 31 مليار دولار، والتي تحمل منها المصارف اللبنانية حوالى 11 ملياراً فقط، «إلّا انّ المشكلة الاكبر انّ المصارف تودع لدى مصرف لبنان ما قيمته الاجمالية حوالى 84 مليار دولار، منها توظيفات إلزامية بالدولار، بالاضافة الى شهادات ايداع ذات آجال طويلة بحدود 22.7 مليار دولار، والتوظيفات لأجل. في المقابل، يملك مصرف لبنان 22 مليار دولار فقط، منها ضمنها التوظيفات الإلزامية المقدّرة بـ18 مليار دولار، مما يُحدث فجوة مالية في النظام المصرفي قيمتها 62 مليار دولار».
وأضاف، انّ جزءاً كبيراً من الدولارات المفقودة أُنفق على تمويل عجز الموازنة، وجزءاً آخر على الفوائد الخيالية التي تمّ دفعها لجذب الدولارات في إطار الهندسات المالية خلال السنوات الاخيرة، وجزءاً ايضاً هو ارباح اصحاب البنوك من الهندسات التي قام بها مصرف لبنان في 2016. مشيراً، انّ طمع المصارف لتحقيق الارباح في إطار الهندسات المالية، أوصلها الى نقص السيولة الحاد الذي تعاني منه اليوم، «وعدد قليل جدّا من المصارف لم تغرّه تلك الهندسات، وهو اليوم بوضع أفضل من غيره من ناحية السيولة، في حين انّ معظم المصارف سيولته سلبية ولديه التزامات كبيرة مستحقة، ويمرّ بأزمة عميقة».
وتابع المصدر المصرفي: «رغم ذلك منح مصرف لبنان بعض المصارف تسليفات بحوالى 7 مليارات دولار بفائدة 20 في المئة منذ بداية شهر تشرين الاول 2019. وقد استعملت المصارف هذا المبلغ لتسديد ودائع جهات مقرَّبة منها او لكبار المودعين، وهي اليوم عاجزة عن تسديد هذا المبلغ لمصرف لبنان».
ولفت الى انّ عملية إنقاذ المصارف (Bail in) هي عبارة عن تحويل الودائع الكبيرة الى اسهم عادية في المصرف، او تجميدها لمدة 5 سنوات بفائدة صفر. كما يتوجب على اصحاب المصارف تحمّل جزء من الخسائر، ليس فقط من خلال إعادة الرسملة بل عبر التخلّي عن اصولها وممتلكاتها وتسييلها، لتأمين السيولة للمودعين.