مع ارتفاع الرهانات على انتظام الوضع الداخلي في المرحلة المقبلة، ودخول البلد حقبة هادئة مختلفة عن السنوات الماضية، تتزاحم التساؤلات حول الأولويات المطلوبة في العام 2025.
وإذا كان من المسلّم به أن لائحة الأولويات تبدأ بإقرار خطة للإنقاذ تشمل معالجة أزمة الودائع، وإعادة القطاع المصرفي إلى عمله الطبيعي في تمويل الاقتصاد، وفتح التفاوض مع حملة اليوروبوندز، والعمل على رفع اسم لبنان عن اللائحة الرمادية، فإن ما يغفل عنه البعض، يتعلق بضرورة استعادة الأموال من أشخاص حققوا ثروات بطرق استثنائية، وأخذوها من درب المودعين.
هذا الملف ينبغي أن يُعاد فتحه على مصراعيه ما دام الجميع يتحدثون على ضرورة مكافحة الفساد، وتحقيق إصلاحات تواكب مسيرة السلم والانتظام السياسي. وهنا لا بد من إعادة التذكير بأن مئات الأشخاص من كل الفئات، (صناعيون، تجار، مستوردون، شركات، مطورون عقاريون…)، استفادوا من الهفوة المتعمّدة التي سمحت لهم بتسديد قروضهم باللولار أو بالليرة، في عملية هجينة أدّت إلى انتقال الأموال من المودع إلى المقترض. هذه العملية أدّت إلى خسائر لا تقل عن 20 مليار دولار، وهي من حق المودعين.
ما هو أدهى ويدفع أكثر في اتجاه الإصرار على معالجة ما جرى، أن المستفيدين من هذه العمليات هم في غالبيتهم من المليئين الذين يمتلكون ثروات نقدية وعينية، ومن الشاذ السماح بحصول مثل هذا الأمر في زمن الانهيار المالي والاقتصادي. واللافت في هذا الملف، أن بعض المستفيدين الكبار ينظّرون في الصالونات، وفي المقابلات الإعلامية أو حتى عبر مقالات يتبرعون بنشرها في وسائل إعلامية، يطالبون فيها بإنصاف المودعين! بل ويطالبون بدفع كل الودائع فوراً، وكأن الأموال موجودة وهناك من يمتنع عن دفعها، وهم أدرى الناس بأن قسماً كبيراً من هذه الأموال التي يطالبون بدفعها إلى المودعين “استولوا عليها” هم بطرق قد تكون قانونية لكنها حتماً غير أخلاقية.
وبالتالي، لا بدّ من قانون يستعيد بموجبه المودع هذه الأموال أو قسماً منها على الأقل عبر ضرائب استثنائية أو ما شابه. وقد يكون من المفيد، وبصرف النظر عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها لاستعادة هذه الأموال، أن يصدر قانون يسمح أو حتى يفرض إعلان أسماء كل المستفيدين من هذه العمليات، لعلّ ذلك يساهم في إخراس المُتنطّحين الذين “شلّحوا” المودع قسماً من أمواله، وهم اليوم يجاهرون بمواقف شعبوية، قد تؤدّي إلى خسارة المودع للقسم المتبقي من هذه الأموال.
من المعيب أن تتحول قضية المودعين إلى مادة للمتاجرة السياسية وكسب الودّ الشعبي، خصوصاً من قبل أشخاص لم يرحموا المودع في تصرفاتهم، وراكموا الثروات على حسابه. ومن كان غيوراً فعلاً على المودع، ويعتبر أن من حقّه أن يقول ما يشاء، عليه أن يُعيد الأموال التي اقتنصها، وعندها قد يكون من حقّه أن يقول ويدّعي ويحاضر بالعفة.