هجرة الأطباء: 50% من المراكز الصحية معرّضة للإقفال

صحيح أن القصص الإنسانية التي تعكس عمق الأزمة اللبنانية، باتت منتشرة على نطاق واسع، سواء من خلال ارتفاع نسب الفقر، أو الغلاء المعيشي، ونقص العديد من السلع، لكن تأثيرات الأزمة أشد وطأة في القطاع الصحي، وما يرافق ذلك من معاناة يعيشها اللبنانيون على أبواب المستشفيات التي لاتزال تعمل بنصف إمكانياتها وطاقتها الاستيعابية. والسبب ببساطة، نقص الأطباء والمواد الأساسية.

حالات صعبة

لم يكن خالد العطار يعي حقيقة ما يمكن أن يعانيه وزوجته بسبب نقص الأطباء في لبنان. خلال فترة الحمل، أصيبت زوجته بفيروس، أثر على نمو الجنين، ما تتطلب فور ولادة الطفل، إجراء عملية جراحية، لكن غياب الأطباء المتخصصين، حال دون إجراء العملية.

يقول لـ”المدن”: “كان من الصعب إجراء العملية الجراحية بسبب غياب الأطباء المتخصصين بالأمراض النادرة، وقد يكون في لبنان طبيب أو طبيبان متخصصين فقط بالأمراض النادرة التي تتعلق برعاية حديثي الولادة”. يضيف، “بعد تشخيص إصابة الجنين بمرض يتعلق بمجرى الدم داخل الشرايين الرئيسية للقلب، كان السؤال الأبرز، عن تكاليف العملية الجراحة، لكننا تفاجأنا، بأن البحث عن تكاليف الجراحة، يعد موضوعاً ثانوياً أمام غياب الكادر الطبي القادر على إجراء العملية الجراحية، أو حتى متابعة حالة زوجتي والجنين”.

ثلاث مسارات

منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان، هاجر نحو 3500 طبيب، ناهيك عن هجرة ما لا يقل عن 3000 ممرض وممرضة. ومنذ بداية العام 2022، يرتفع عدد الأطباء المهاجرين، خصوصاً الأطباء المتخصصين بالأمراض النادرة، على غرار الجراحات المتعلقة بالسرطان، أو أمراض الدم، أو حتى أمراض الأطفال.

وقد اتخذت الهجرة الطبية من لبنان إلى الخارج ثلاثة مسارات، الأول إثر الاحتجاجات الشعبية في 2019، فيما الثاني بعد انفجار مرفأ بيروت، ومن ثم في بداية 2022، مع تردي الأوضاع المعيشية، ونقص المعدات والأدوية الأساسية.

يشير نقيب الأطباء في طرابلس سليم أبي صالح إلى أن نقص الأطباء في لبنان دخل مراحل خطيرة. يقول لـ “المدن”: المشكلة الرئيسية التي باتت تهدد القطاع الصحي، تتعلق بغياب الأطباء الذين يقومون بمهام استراتيجية في العمل الجراحي، على غرار طبيب التخدير، إذ لا يمكن إجراء أي عمل جراحي من دون وجود طبيب تخدير، ومنذ بداية العام هاجر ما لايقل عن 100 طبيب متخصص بالتخدير”. ويضيف، “غياب أطباء التخدير انعكس على عمل الكثير من المستشفيات، والتي ترفض في الكثير من الأحيان استقبال حالات طارئة بسبب نقص الأطباء”. وحسب أبي صالح، فإن النقص لا يتعلق فقط بأطباء التخدير، بل أيضاً يطال أطباء الإنعاش، وتحديداً في الأقسام الخاصة بالأطفال، إذ يمكن القول، بأن هناك طبيب انعاش واحد لكل 5 مستشفيات في لبنان.

لا تقف حدود معاناة نقص الأطباء في لبنان على رعاية الأطفال، بل أيضاً، يعاني الكثير من اللبنانيين من نقص في وجود الأطباء الإختصاصيين. وفق أبي صالح، صحيح أن عدد الأطباء الإختصاصيين والجراحين تحديداً انخفض منذ بداية الأزمة، ولكن وتيرة الهجرة إلى الخارج مع بداية العام 2022، كانت أصعب. فعلى سبيل المثال، لايوجد في لبنان سوى طبيب جراح متخصص بالدماغ، وينتقل بين عدة مستشفيات لإجراء العمليات، فيما لو كان هناك حالتين حرجتين، فإن حالة منهما ستواجه مصيراً مأساوياً نظراً لتعذر وجود الطبيب.

تأثيرات مناطقية

على الرغم من أن مشكلة غياب الأطباء في لبنان باتت عامة، إلا أن بعض المناطق أكثر تأثراً. يشرح اختصاصي الصحة العامة علي سويد لـ”المدن” المعاناة في بعض المناطق بسبب غياب الأطباء. يقول “تعاني الكثير من المستشفيات سواء حكومية أو خاصة من نقص في أطباء الصحة العامة، الأسنان، أمراض القلب، الجراحة، ويتركز نقص الأطباء في شمال لبنان، البقاع والجنوب”.

وفق منظمة الصحة العالمية، فإن القطاع الصحي في لبنان معرض لخطر الانهيار لأسباب عدّة، من أبرزها النقص في المختصّين الطبيين الذي بلغ معدّلاً خطيراً. إذ وحسب منظمة الصحة، فإن ما يقارب من 40 في المئة من الأطباء “المهرة” ونحو 30%من الممرّضات والممرضين تركوا لبنان، إما بشكل دائم أو مؤقت. إلا أن هذه النسب شهدت ارتفاعات عديدة، حسب سويد، إذ يؤكد أنه يضطر للانتقال بين عدة مستشفيات يومياً حتى يتمكن من معاينة المرضى.

ويعاني الأطباء في لبنان من تأثيرات الأزمة المعيشية خصوصاً في المستشفيات الحكومية، إذ أن الرواتب تسدد بالليرة اللبنانية، ولم تعد في أحسن الأحوال تبلغ حاجز 150 دولاراً، فيما راتب الممرض لا يتخطى 20 دولاراً.

يشير سويد إلى أن ارتفاع تكاليف المعيشية، وانخفاض قيمة العملة أثر على القطاع الطبي، حتى أن تكاليف المعاينة وإن يتم استيفائها بالدولار الأميركي، لكنها غير ذات قيمة. يقول “في المناطق النائية أو البعيدة، تصل تكلفة المعاينة إلى 5 دولارات وفي أفضل الأحوال 10 دولارات، وهو رقم زهيد جداً، لا يكفي لتسديد فواتير الكهرباء”.

نقص المواد

أحد أسباب هجرة الأطباء من لبنان في الفترة الأخيرة، يعود إلى نقص المواد الطبية. تعاني المراكز الصحية والمستوصفات من عجز كبير، سواء على مستوى المواد الأساسية كالمضادات الحيوية، القسطرة، والمطهرات، أم على مستوى الأدوية كالمسكنات، وغيرها.. وهو ما أدى إلى إقفال العديد من المراكز الصحية. يشير مصدر في وزارة الصحة إلى أن أكثر من 30% من المستوصفات في لبنان، أقفلت أقساماً، فيما يقدر نحو 200 مستوصف أقفل أبوابه نهائياً، بسبب غياب الكادر الطبي، والمواد الأساسية، ومن غير المستبعد مع تدهور الوضع المعيشي، أن ينخفض عدد المستشفيات والمراكز الصحية في العام 2023 إلى أكثر من النصف، ما يهدد القطاع الصحي بالشلل التام.

مصدرالمدن - بلقيس عبد الرضا
المادة السابقةكيف تطورت صادرات العرب من الغاز خلال 2022؟
المقالة القادمةاقتصاد “كازينو” رياض سلامة: حين يضارب المركزي على الدولار