هذه الموازنة من صُنع أيديكم!

 

 

 

مَن أنتِ أيتها الحكومة؟ ومَن هـم وزراؤكِ؟ ومن أين جئتِ بهم؟

تسعةُ أشهرٍ حبلَت بكِ البلاد والعباد، حتى استوطن القهر واليأس والشلل فـي نفوسنا وبيوتنا ومؤسّـساتنا. خلّفتِ أضراراً وخسائر بمئات الملايين من الدولارات، لكي تأتي نسخة طبق الأصل عن هذا المجلس النيابي العظيم.

إتخذتِ النسبيّة «الـمشوّهة» متراساً، لكي تكون الحصص الوزارية «متوازية» لأحجام الكتل وأوزانها.

أنتِ الإبنة الشرعية والوريثة الوحيدة لـ111 نائباً منَحوكِ ثقتهم فـي البرلمان.

أنتِ تمثّلين سبع كتلٍ نيابية إختارتها الشعوب اللبنانية المغلوبة على أمرها، بموجب قانون إنتخابٍ «مشوّه» قاطعهُ 51% من الناخبين.

مشروع الموازنة العامة أيتها الـحكومة ليس لقيطاً، ولم ينزل من المرّيـخ، بل جاء حصيلة آراء وأفكار كل وزير وكل نائب فـي الكتل الـممثَّلة فيكِ.

ماذا تريدون أن تدرسوا فـي لجنة المال والموازنة لفتـرة شهر أيّها النواب؟ ألستم أنتم، ومَن يـمثّلكم فـي الحكومة مَن وضَع أرقام الموازنة بضرائبها وإيـراداتها ونفقاتها وتقشفاتها؟ ألستم أنتم مَن غلَّبتم مطالب طوائفكم وأحزابكم وأتباعكم على حقوق الدولة والـخـزينة والشعب؟ ألسـتم أنتم مَن جعلتم الـجلسات العشرين للموازنة تطول وتطول، مثل قصّة ألف ليلة وليلة، لتراجعوا كلَّ بندٍ مع زعمائكم ورؤساء كتلكم الذيـن عيّنوكم؟

ألستم أنتم مَن احتـفيتم بإنجاز خفض العجز إلى أقلّ من 7,6 فـي الـمئة، نسبةً إلـى الناتـج الـمحلي، وتوقّعتـم نـمواً يقارب 1,2 فـي الـمئة؟

ماذا ستناقشون أيـها السادة النواب؟ وماذا ستغيّـرون فـي الأشهر الـخمسة الباقية من السنة؟

كيف ستقنعون وكالة «فيتش» للتصنيفات الإئتمانية أنّ العجزَ فـي الـموازنة لن يبلغ 9 فـي الـمئة، وأنّ البنك الـمركزي سيحافظ على إحتياطاته من النقد الأجنبي؟ وكيف ستـردّون على وكالة «ستاندرد أند بورز»، التـي وجّهت رسالة واضحة اليـكـم والى المجلس النيابـي بضرورة القيام بالـمزيد من الإجراءات الـمقنعة، لـخفض العجز وتحفيز الإقتصاد، بعيداً من تـجميل وتدوير الأرقام، كما فـي الـمشروع الـمطروح؟ فتقديرات الوكالة تشيـر إلى عجز مالـي فـي 2019 عند حوالـى 10 فـي الـمئة، وتتوقّع أن تواصل نسبة الدين العام للبنان الإرتفاع لـتـتـجاوز 160% من الناتـج الـمحلي بـحلول عام 2022.

كيف يـمكن للشعوب اللبنانية ولوكالات التصنيف الإئتمانية، أن تـنـتـظر من الـحكومة إصلاحاً، ومعظم أفرادها ومَن يـمثّلون أوصلوا البلاد إلى هذه الـحال؟ أليس الأداء الـحكومي الـمتوتّر، والوضع الإقتصادي الـمـهتـرئ هـما الـمعياران للحكم على فشل هذه الـحكومة؟

هل تـمّ إحتـرام بنود موازنة 2018؟ هل تـمّ تقديـم قطع الـحساب؟ هل تـمّ إحتـرام القانون رقم 46 الـخاص بسلسلة الرتب والرواتب والـمادة 21 منه؟ فـمَن يؤكّد أنّ موازنة 2019 ستُحتـرَم؟

لقد أعجبنـي ما قاله النائب ألان عون: «أسباب الفشل فـي الـمرحلة السابقة، سبب من أسباب الفشل فـي الـمرحلة الـحالية».

إنّ الـمخالفات التـي إرتكبـها معظم الوزراء فـي الـحكومة، لا تقتـصر على توظيف 5473 شخصاً، بعد صدور قانون وقف التوظيف، بل هناك آلاف الأشخاص جرى توظيفهم فـي السنوات الثلاث الأخيـرة فـي أسلاك وإدارات الدولة، لـم يؤتَ على ذكرهم، وخصوصاً فـي البلديات، من دون مراعاة الـحاجات الوظيفية والقوانيـن الـمرعيّة الإجراء.

ثـمّ، ليس الشعب وحده الذي يسأل، بـل أيضاً مانـحو «سيدر» يسألون: أين القضاء؟ أيـن السلطات الرقابية؟ أيـن هم الفاسدون وناهبو الأموال العامة؟ لـماذا لـم يُـحاسَبوا ويُزجّوا فـي السجون؟ ولـماذا لا تستـردّ الدولة أموالـها الـمنهوبــة؟

إنّ الـمجتمع الدولـي الذي يراقب أوضاعنا عن كثب، لـم تقنعه الأرقام الـمطروحة، ولـم يعجبهُ إعتـراف البعض أنّ معركة مكافـحة الفساد أصعب من معركة التـحرير، فـي ظلّ غياب واضح فـي مـحاسبة الـمرتكبيـن والفاسديـن، وفـي غياب إصلاحات جدّية تـخفّض من نسبة العجز الـمتنامي. كما أنّ الـمجتمع الدولـي لـم يعد يثق بالوعود وفـي «تركيب» وتـجميل الأرقام. فـموازنة 2018 وتداعياتـها، هي «رزمة القشّ» التـي «قصمت ظهر البعيـر». فإمّا الإصلاح الـحقيقي والإنـجاز الفعلي والـمحاسبة الشفافة والدقيقة، وإمّا الفوضـى والإنـهيار.

أيـها السادة النواب الـممثَّليـن فـي الـحكومة، لا يـمكنكم أن تكونوا مواليـن ومعارضيـن فـي الوقت عينه. لا يـمكنكم أن تكونوا مع الشعب وضدّه، ومع الـحكومة والـموازنة وضدّهـما. لن تفيدكم الإستـعراضات الشعبوية والـخطابات الرنانة العاطفية والتلطّي وراء أفواه وبطون الناس الـجائعة. ستة نواب فقط يـحقّ لـهم مناقشة الــموازنة وانتقاد ما تضمّـنــتـه من مشاريع ضريـبـية وتقشّفية، إنـهم النواب الذيـن حجبوا الثقة عن الـحكومة ولـم يـتمثّلوا فيها، والذيـن لـم يكن لـهم أيّ رأي فـي أرقامها وفذلكاتـها: بولا يعقوبيان، أسامة سعد، جـميل السيد، سامي الـجميل، نديـم الـجميل، والياس حنكش. ويـمكن إضافة النواب الذيـن أعطوا ثقة مشروطة لـمئة يوم، إذا سـمح لـهم رؤسـاء كــتـلـهم وأحزابـهم.

إنّ الـحكومة التـي إختارت شعاراً لـها «إلى العمل»، تلهّت بالسّجالات وتقاذف التـّهم والـمزايدات والـمناكفات ونبش قبور الـحرب والصلاحيات ونصْب الـمتاريس وبكـل شيء، «إلّا العمل».

إذا كانت التسوية السياسية والرئاسية لا تزال قائـمة، فلأنّ جـميع أركانـها ومـهندسيـها «مـحشورون» فـي قعر البئر.

مصدرالجمهورية
المادة السابقةكان يحمي زملاءه من الأسود الهاربة.. فمات تحت أقدام فيل
المقالة القادمةالموازنة في «مطحنة» النواب.. هل «تنفجر» قبل أن تنطلق؟