هذه خطورة تطيير “رفع السرية المصرفية” و”هيكلة المصارف”

من المفترض أن تلتئم اليوم الأربعاء اللجان المشتركة في المجلس النيابي، للبدء بمناقشة -ثم إقرار- مشروع القانون الذي أحالته الحكومة سابقًا، والرامي إلى منح مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف صلاحيّات أوسع لرفع السريّة المصرفيّة، مع مفعول رجعي. وفي مرحلة لاحقة، سيكون على اللجان المشتركة البدء أيضًا بمناقشة وإقرار قانون إصلاح أوضاع المصارف، الذي يحدد صلاحيّات وتركيبة الهيئة المصرفيّة العليا، إلى جانب لجنة الرقابة على المصارف، خلال عمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

القانونان معًا، يشكّلان حجر الأساس لعمليّة معالجة الأزمة المصرفيّة، إلى جانب القانون الثالث الذي يفترض أن تعمل الحكومة على مسودّته بعد عودة وفدها من اجتماعات الربيع مع صندوق النقد، والمرتبط بمعالجة الفجوة الماليّة في المصارف (أي قانون إعادة الانتظام المالي).

قانون رفع السريّة المصرفيّة

منذ ليل أمس، تسرّبت الأنباء عن محاولات لتفخيخ مشروع القانون المرتبط برفع السريّة المصرفيّة، وذلك عبر تقليص مدّة المفعول الرجعي من 10 سنوات، كما هو الحال في مشروع الحكومة، إلى 5 أو حتّى 3 سنوات. مع الإشارة إلى أنّ عبارة “مدّة المفعول الرجعي” تشير إلى عدد السنوات السابقة التي ينطبق عليها قانون رفع السريّة المصرفيّة، والذي يفترض أن ينطبق طبعًا على جميع السنوات اللاحقة لنفاذ القانون. كما أنّ مشروع القانون الجديد يركّز على إعطاء حق رفع السريّة المصرفيّة لمصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، إلى جانب شركات التدقيق المحاسبي، وذلك لممارسة “الرقابة والتدقيق أو القيام بأي دور آخر مناط” بهذه الجهات.

وهنا تكمن أهميّة مشروع القانون. إذ أنّ القانون الذي جرى إقراره عام 2022، لغاية رفع السريّة المصرفيّة أيضًا، تضمّن عبارات حمّالة أوجه، توحي بحصر صلاحيّات رفع السريّة المصرفيّة بحالات إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بدل أن يتم توسيع هذه الصلاحيّة لتشمل أعمال التدقيق والرقابة الروتينيّة. كما أن ذلك القانون لم ينص صراحةً على مفعول رجعي، ما سمح بامتناع المصارف عن تقديم أي داتا تخص الفترات التي سبقت إقرار ذلك القانون. وبهذا الشكل، جاء القانون الجديد ليوسّع نطاق رفع السريّة المصرفيّة من ناحيتين: المفعول الرجعي وغايات رفع السريّة المصرفيّة.

عدم إقرار هذا القانون، أو التلاعب بنطاق المفعول الرجعي، سيؤثّر على مسارات الحل الأخرى. فعمليّة إعادة الهيكلة، كان يفترض أن تسمح للسلطات الرقابيّة بالعودة إلى داتا العمليّات المصرفيّة التي حصلت خلال السنوات السابقة، للوقوف عند أسباب تراكم الفجوة الماليّة في كل مصرف، بالإضافة إلى مسؤوليّة إدارة المصرف. كما يفترض أن تملك السلطات الرقابيّة القدرة على تدقيق بنية الودائع، أي حجم الودائع التي تنتمي إلى كل فئة من فئات المودعين (ودائع صغيرة، أو كبيرة، أو ودائع لصناديق إئتمانيّة). ولهذا السبب، ستتأثّر عمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي إذا لم يتم تمكين الهيئة المصرفيّة العليا أو لجنة الرقابة على المصارف من تجاوز ستار السريّة المصرفيّة لأداء عملها الرقابي.

النقطة الأهم هنا، ترتبط بنطاق المفعول الرجعي. فحصر المفعول الرجعي بثلاث أو خمس سنوات، سيستثني عمليّات الهندسات الماليّة التي جرت قبل العام 2019 من أعمال التدقيق. وهذا ما سيفرض على مصرف لبنان استثناء هذه العمليّات، التي انطوت على أرباح خياليّة لأصحاب المصارف، من عمليّة المراجعة. وبصورة أوضح: لن يكون بالإمكان فرض استعادة هذه الأرباح، أو شطبها من مطلوبات المصارف، في إطار معالجة الفجوة الماليّة. وبذلك يكون اللوبي المصرفي قد حقّق أحد الأهداف التي عبّر عنها بشكلٍ صريح في المذكّرة الخطيّة المكتوبة التي وزّعتها جمعيّة المصارف، والتي رفضت فكرة استعادة أو ملاحقة أي أرباح حقّقها المساهمون في ما مضى.

لكل هذه الأسباب، أصرّت بعثة صندوق النقد خلال الفترة الماضية على إقرار هذا القانون، بالتوازي مع إقرار قانوني إصلاح أوضاع المصارف، وإعادة الانتظام المالي. فمنذ العام 2022، كان صندوق النقد يؤكّد أن التشريع الذي جرى إقراره وقتذاك لا يتلاءم مع حاجات عمليّة إعادة الهيكلة، وهو ما فرض صياغة مشروع القانون الجديد. وبشكل عام، يمكن القول أن مشروع القانون الراهن بات شرطًا لا يمكن تجاوزه، لأي اتفاق مقبل بين لبنان وصندوق النقد.

قانون إصلاح أوضاع المصارف

في المقابل، تبدو عمليّة إعادة الهيكلة الشاملة في القطاع المصرفي شبه مستحيلة، من دون إقرار مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، الذي أقرّته الحكومة خلال الأسبوع الماضي. فالقوانين الحاليّة، تجعل صلاحيّات الهيئة المصرفيّة العليا ولجنة الرقابة على المصارف مجزّأة إلى حدٍ كبير، بل وتجعلها محدودة وملتبسة قياسًا بحجم الصلاحيّات المفصّل والواسع المطلوب في هذه المرحلة.

أمّا الأهم، فهو أن تعديلات جذريّة كانت مطلوبة على تركيبة الهيئة المصرفيّة العليا، لتجعلها أكثر استقلاليّة، ولمنع تضارب المصالح فيها. ومن هذه التعديلات المطلوبة مثلًا، كان إخراج ممثّل جمعيّة المصارف من الهيئة. إذ لم يكن من المنطقي أن تشرف الهيئة على قرارات حسّاسة ومصيريّة مثل تسييل أو دمج أو إصلاح وضع المصارف، بمشاركة ممثّل عن المصارف التي سيجري اتخاذ القرارات بشأنها في المستقبل القريب.

لهذه الأسباب، طلب صندوق النقد إقرار هذا القانون -أي إصلاح أوضاع المصارف- كخطوة استباقيّة، قبل المضي قدمًا بإعداد قانون الانتظام المالي، الذي سيحدد كيفيّة التعامل مع الفجوة الموجودة في القطاع المصرفي. وكان من المأمول أن يتمكّن لبنان من مصادقة قانوني رفع السريّة المصرفيّة وإصلاح أوضاع المصارف قبل مغادرة الوفد اللبناني إلى اجتماعات الربيع، مع صندوق النقد الدولي. لكن كما هو واضح، سيقتصر الأمر على إقرار القانون في اللجان المشتركة، على أن تتم المصادقة عليهما في الهيئة العامّة في مرحلة اللاحقة. أمّا ما يُخشى منه جديًا الآن، فهو تفريغ القانونين من مضمونهما، من خلال إقحام تعديلات مفخخة عليهما.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةبعد كسره أرقاماً قياسية… هل نشتري الذهب أم نبيعه؟
المقالة القادمةدليل الصادرات والمؤسسات الصناعية اللبنانية مرجع أساسي وذات مصداقية للتعريف بالإنتاج الصناعي اللبناني وتسويقه /فيديو/