هشّموا الضمان الاجتماعي… بعدما همّشوه!

تقديمات الصناديق الثلاثة التي يقوم عليها الضمان الاجتماعي تراجعت بشكل متوازٍ مع انهيار العملة الوطنية. ففقدت 90 الى 95% من قيمتها. حصة الضمان من فاتورة الاستشفاء تراجعت من 90% إلى حدود 4.5 الى 6% فقط على سعر صرف بين 20 و 30 ألف ليرة للدولار، وارتفع ما يفترض أن يتحمله المريض من 10% إلى 95%. الأمر نفسه انسحب على تعويضات نهاية الخدمة التي يقدر متوسطها بـ 30 مليون ليرة، فأصبحت تشكل بين 1000 و1500 دولار بعدما كانت تقدر بـ 20 ألفاً.

منذ نشأته في العام 1963 ظل الضمان الاجتماعي مصدر جدل واسع بين “النخبة” المتمثلة بالقوى السياسية وأرباب العمل من جهة، والعمال والنقابات من جهة ثانية، حول دوره والمشمولين به وتمويله وحجم تقديماته… إلا أنه بعيداً عن فلسفة التعاقد الاجتماعي، ساد التطبيق الكثير من الاخطاء. فالمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد، هو تجميع اقساط المشتركين لسنوات وتوظيفها في قنوات استثمار منخفضة المخاطر، من أجل تقديم الخدمات الصحية للمحتاجين (خصوصاً في مرحلة التقاعد) وتوفير تعويضات تحمي شيخوخة العاملين من الفقر وتمكينهم من بعض العيش الكريم.

وانطلاقاً من هذه الموارد الخاصة بالضمان عبر الاشتراكات وصلت الموجودات حوالى 13500 مليار ليرة. رقم كبير كانت قيمته قبل 2019 حوالى 9 مليارات دولار، واليوم قيمته 675 مليون دولار على سعر صرف 20 ألف ليرة.

عضو مجلس الإدارة السابق في الضمان الاجتماعي النقابي أديب أبو حبيب يؤكد على أنه كان بالامكان تلافي الانهيار في الضمان لو اتخذت مجموعة من الاجراءات. منها على سبيل الذكر لا الحصر الاستمرار بتجربة استيراد الدواء مباشرة عبر الضمان، والتي كان من شأنها تخفيض الاعباء عن “كاهله” بشكل كبير. إلا أن الخطأ الذي حصل في ثمانينات القرن الماضي هو شراء الضمان للأدوية وتوزيعها على الصيدليات، فما كان من محتكري الأدوية إلا أن اتفقوا مع الصيدليات على عدم بيع الدواء للمضمونين بحجة نفاده. كما كان بامكان “الضمان” إنشاء أو استثمار وإدارة مستشفياته الخاصة (مستشفى البترون مثالاً)، لتخفيض الاكلاف الاستشفائية بشكل كبير جداً الناتجة عن ضعف الرقابة على المستشفيات الخاصة، و”اتفاق” بعض إداراتها في كثير من الاحيان مع المراقبين لتضخيم الفواتير وحشوها بما هو ليس ضرورياً.

المسار الآني للضمان الاجتماعي يأخذنا في الوجهة التاريخية نفسها، التي توصل إلى خراب المؤسسة. وبحسب أحد أعضاء “المرصد اللبناني لحماية حقوق العمال”، هناك 4 إجراءات متخذة آنياً تؤدي إلى تقويض المؤسسة وهي:

• إصدار وزير المالية قراراً مخالفاً للقانون علق بموجبه طلب الجمارك من المؤسسات المصدرة والمستوردة براءة ذمة من الضمان الاجتماعي. أتى تعليق العمل بالزامية براءة الذمة بمثابة رصاصة الرحمة على الضمان. ذلك أن 90 في المئة من إيرادات الضمان تتأتى من المؤسسات المجبرة على الاستحصال على براءة الذمة.

• رفض أصحاب العمل إحتساب الزيادات التي تعطى على الأجور من ضمن أساس الراتب الخاضع للاقتطاع منه لحساب الضمان.

• رفض هيئة التشريع والاستشارات طلب استيفاء الضمان للاشتراكات عن الرواتب المحددة بالعملة الأجنبية، وعن المبالغ المدفوعة بشكل استثنائي بسبب الأزمة على غير سعر 1507.5”.

• تضمين مشروع موازنة 2022 نصاً في المادة (124) على تقسيط الديون والفوائد كافة المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على الدولة لغاية نهاية 2021 على أقسام متساوية لمدة 10 سنوات، على ان يبدأ التقسيط قبل نهاية شهر أيلول المقبل.

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةرواتب ومساعدات تحتكرها المصارف.. بنك الاعتماد نموذجاً
المقالة القادمةكركي: إكتوارياً… أموال نهاية الخدمة مؤمّنة حتى 2065