هل أثرت الحرب في تراجع إنتاج المحاصيل الزراعيّة هذا العام؟

في خريف كل عام، تعطي الطبيعة ثمارا غنية بالفوائد الصحية والاقتصادية، ومن بينها فاكهة الجوافة، التي تُعتبر واحدة من الفواكه المهمة في لبنان. يُعتقد أن الجوافة (Psidium guajava) نشأت لأول مرة في المناطق الاستوائية لأميركا الوسطى وأميركا الجنوبية، حيث اكتشفها السكان الأصليون واستخدموها في غذائهم، قبل انتشارها إلى مختلف أنحاء العالم. اليوم، تُزرع الجوافة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وتُعتبر من المحاصيل الرئيسية في دول مثل المكسيك والبرازيل والهند ومصر. أما في لبنان، فتُغرس في المناطق الساحلية مثل صيدا وصور وطرابلس، حيث تتوافر الظروف المناخية الملائمة لنموها.

فوائد صحية وغذائية

تقول اختصاصية التغذية كاتيا قانصو لـ “الديار”: “تعتبر الجوافة فاكهة غنية بالقيم الغذائية المفيدة، التي تجعلها بديلا صحيا رائعا. فهي مصدر غني بفيتامين C، حيث تحتوي الحبة الواحدة منها على أكثر من 200% من الكمية الموصى بها يوميا. تجعلها هذه النسبة العالية فعالة في تعزيز المناعة ومكافحة الأمراض مثل نزلات البرد. كما تشتمل على الليكوبين، وهو مضاد أكسدة يساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب”.

المنافع وفق الدراسات

وتوضح “لقد أظهرت الدراسات العلمية أن الجوافة فعّالة لصحة القلب، لغناها بالبوتاسيوم والألياف، التي تسهم في خفض ضغط الدم وتحسين وظائف القلب. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر مناسبة لمرضى السكري بفضل تأثيرها الإيجابي في مستويات السكر في الدم”.

وتتحدث عن “تقرير لموقع Today، الذي ذكر ان الجوافة تؤدي دورا مهما في صحة الجهاز الهضمي، حيث تُساعد في تنظيم حركة الأمعاء وتقليل مشكلات الإمساك. كما أن استهلاكها بانتظام يمكن أن يحسن من صحة المعدة، نظرا لثرائها بالألياف الغذائية التي تعمل على تعزيز الهضم وتسهيل عملية الامتصاص”.

وتشير قانصو الى “فوائد هذه الفاكهة ذات الرائحة الفريدة”، مؤكدة أنها “تعتبر خيارا ممتازا للمرأة الحامل، اذ تكتنز الفيتامينات والمعادن الأساسية مثل حمض الفوليك، الذي يساهم في نمو الجنين السليم، كما يدعم فيتامين C في الجوافة امتصاص الحديد، مما يساعد في الوقاية من فقر الدم خلال فترة الحمل”.

زراعتها وأهميّتها الاقتصادية محلياً

ويكشف الخبير الزراعي يحيى لـ “الديار” عن ان “شتل الجوافة تشكل جزءا مهما من القطاع الزراعي اللبناني، خصوصا في ظل العقبات الاقتصادية الراهنة. فضلا عن ذلك، تُزرع في المناطق الساحلية، حيث تتمتع بدرجات حرارة معتدلة ورطوبة مثالية لغرسها”. ويؤكد ان “الجوافة تعد محصولًا ملائما للظروف المناخية اللبنانية، وتوفر دخلاً مستقرا للمزارعين”.

ويتابع “تُعتبر من الفواكه المهمة في المائدة اللبنانية، حيث تُستخدم في إعداد العصائر والحلويات، مما يساهم في توطيد الثقافة الغذائية المحلية ويقوي الطلب عليها في الأسواق. ومع ارتفاع الأسعار، باتت الجوافة خيارا مفضلًا للكثيرين بسبب فوائدها الصحية”. مشيرا الى “ان زراعتها ليست مجرد مصدر للغذاء المحلي، بل وسيلة لدعم الاقتصاد من خلال تقليل الاعتماد على الواردات الزراعية وزيادة الإنتاج الداخلي. مع تراجع قيمة العملة المحلية، تُتيح الجوافة للزارعيين فرصة لتوسيع نشاطهم وزيادة الإنتاج الوطني”.

التحديات البيئية وتراجع الإنتاج

من جهة اخرى، لاحظ المزارعون في لبنان تراجعا في إنتاج محاصيلهم الزراعية هذا العام، بما في ذلك الجوافة والعنّاب، نتيجة التلوث البيئي الناتج من النزاعات العسكرية. وفي هذا الإطار، يقول أحد المزارعين الجنوبيين لـ “الديار” وفقا لاعتقاده، ان الغارات الجوية “الإسرائيلية” على المناطق الجنوبية تُطلق أدخنة ومواد كيميائية تُدنس التربة والمياه، مما يؤثر في نمو المحاصيل، بحيث ان التلطّخ الناجم عن الأسلحة قد يؤدي إلى تراجع الغلة الزراعية وتسمم المنتجات الزراعية، مما يشكل تهديدا على الأمن الغذائي”.

بالإضافة الى ذلك، تأثرت الأجواء اللبنانية بشكل عام سلبا بفعل هذه الحرب، حيث أدت حالة عدم الاستقرار الى انحدار كبير في عدة محاصيل تعتمد عليها الاسر الريفية. فقد واجه العديد من المزارعين صعوبات كبيرة في تأمين مستلزمات الزراعة، فضلا عن ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب تردي الأوضاع الأمنية.

الى جانب ذلك، أدت الاشتباكات الى تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ما ضاعف من مخاوف المزارعين حول مستقبل غللهم. ومع مرور الزمن، يبدو ان هذه الصعوبات ستظل تعيق الزراعة في المنطقة، مما يزعزع الامن الغذائي ويفاقم من مأساة السكان المحليين. لذلك، لم تؤثر هذه الأحداث فقط في الحياة اليومية للفلاحين، بل كانت لها تداعيات مباشرة على المحاصيل الزراعية التي تشتهر بها هذه المناطق، مثل التبغ والزيتون والحمضيات، إلا أن استمرار النزاعات المسلحة أجبر العديد من المزارعين على ترك أراضيهم، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي.

وفي هذا المجال، تبين الدراسات أن الظروف البيئية القاسية تؤثر سلبا في المحاصيل، ويشير خبراء زراعة لـ “الديار” الى أن “الجوافة قد تتأثر بشكل خاص بالتغيرات المناخية والملوثات، مما يزيد من التحديات التي تواجههم في تحقيق إنتاج مستدام”.

في الخلاصة، الجوافة ليست مجرد فاكهة صحية، بل تشكل دعامة اقتصادية حقيقية في لبنان، حيث توفر فرص عمل في المناطق النائية وتسهم في الحفاظ على التوازن الاقتصادي. كما يؤكد الخبير الزراعي يحيى لـ “الديار” أن “الزراعة المحلية، بخاصة الجوافة، تمثل أملًا كبيرا للبنان في تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية. انطلاقا من كل ما تقدم، تجمع الجوافة بين الفوائد الصحية والاقتصادية، فهي ليست فقط مصدرا غنيا بالعناصر الغذائية الضرورية، بل تؤدي دورا اساسيا في دعم الاقتصاد اللبناني، مما يجعلها فاكهة ذات قيمة استثنائية”.

مصدرالديار - ندى عبد الرزاق
المادة السابقةالهيئات الاقتصادية تضغط لايقاف الحرب ولكن ليس بيدها حيلة
المقالة القادمةالمودعون في الحرب: تسهيلات مصرف لبنان لا تتجاوز “الصدقة”