هل بدأت معركة تحديد الخسائر بين الدولة والمصارف، بعد ان اعلن وزير المالية ياسين جابر ان مشروع قانون الفجوة المالية سينجز قبل نهاية العام، وبعد ان سربت مواده الى الرأي العام ؟
بوادر هذه المعركة تجلت في التصريح الذي ادلى به الوزير جابر، وقوبل بردة فعل عنيفة من قبل مصادر مصرفية، التي ذكرت بأن الأزمة المالية النظامية هي في الواقع نتيجة سياسات الدولة، وسوء إدارة البنك المركزي، والانهيار الكامل للحوكمة والشفافية. إن هذه الأسباب موثقة في عدة دراسات مستقلة، تحدثت عن: غياب الاستقرار السياسي لعقود، العجز المزمن في موازنات الدولة اللبنانية، تراكم الدين العام غير المستدام، اعتماد نظام سعر الصرف الثابت، إخفاق الحكومات المتعاقبة في معالجة القضايا الهيكلية الأساسية، التعثّر غير المنظم في سداد سندات اليوروبوندز اللبنانية، غياب قانون ضبط التحاويل ورؤوس الأموال، فشل الدولة في إعادة رسملة مصرف لبنان وفق ما ينص عنه القانون، وغياب الشفافية في المعلومات المالية المقدمة للجمهور، لا سيما في ميزانيات مصرف لبنان.
واعتبرت هذه المصادر أن اعتماد المقاربة المنصوص عنها في مشروع القانون المذكور، سوف يؤدي الى حسم كبير من الودائع، والمودعون هم الضحية الأولى، ومن ثم المصارف التي سوف تخسر مجمل أموالها الخاصة من ناحية، ومن ناحية أخرى سوف تقوم وحدها يإيفاء ما يمكن إيفاؤه للمودعين من سيولتها الخاصة، وسيولتها المودعة في مصرف لبنان، في حين أن مصرف لبنان ستكون حصته عن طريق إصداره سندات طويلة الأجل.
بل ذهب رئيس جمعية المصارف سليم صفير ابعد من ذلك، عندما وجه كلامه الى وزير المالية في افتتاح مؤتمر اتحاد المصارف العربية قائلا :”نحن شريكٌ استراتيجيٌّ في إعادةِ بناءِ الاقتصادِ الوطنيِّ. لن يكونَ هناك إعمارٌ حقيقيٌّ من دونِ تمويلٍ مصرفيٍّ سليمٍ، ولن يكونَ هناك نموٌّ اقتصاديٌّ مستدامٌ من دونِ قطاعٍ مصرفيٍّ قويٍّ وفاعلٍ. لذلك، فإنَّ أيَّ محاولةٍ لإضعافِ القطاعِ المصرفيِّ أو تدميرِه، هي في نهايةِ المطافِ محاولةٌ لتدمير المصارف”.
ماذا يقول وزير المالية؟ يجيب لـ «الديار»: «انا لا احب نشر غسيلنا الوسخ أمام المصارف العربية. لقد اجبته إذ أنني اتعاطى مع الجمعية، وقد استقبلت اعضاءها وطلبت منهم تأليف لجنة مصغرة للمتابعة معها. اننا نأخذ باعتبارنا هواجس المصارف، ونتكلم دائما عن أهمية عودة القطاع المصرفي للعمل». واكد «اننا لا نستهدف اي مصرف، فالازمة قد وقعت والمطلوب الآن اقناع الناس بإعادة ثقتها إلى المصارف».
وتابع «علينا إذن إعادة تنظيم القطاع بشكل يطمئن الناس، وان يعيد المصرف رسملة نفسه ويطبق كل القوانين المحلية والعالمية. أمام المصرف احتمالات عدة، فإما زيادة الراسمال او الدخول بتحالف او اندماج مع مصارف اخرى. أن الخيار بالاستمرار في العمل هو خيار المصرف وليس الدولة. اننا بحاجة ماسة جدا لعودة العمل بالقطاع المصرفي، وانا اتعاون بالفعل مع القطاع، وقد ابرمت اتفاقية مع المصارف بخصوص دفع الناس التزاماتها عبر بطاقات الائتمان. اننا نشجع المصارف على الدخول بالمكننة الحديثة، ومن مصلحتنا أن نعيد المصارف إلى الحياة والعمل، وأن نساعدها على استعادة مصداقيتها».
وقال: «نحن في الحكومة لم نكن الفريق الذي تسبب بالازمة إنما جئنا لحلها. اننا صادقين مع الناس ولا نقدم وعودا غير قابلة للتطبيق. أن النظام المصرفي غير قادر على رد المال لكل الناس دفعة واحدة، وسيتم ذلك بالتقسيط، والجيد في الأمر أن ملاءة البنك المركزي باتت افضل بكثير. اننا حاليا بالتعاون مع مصرف لبنان نقوم بإجراء تدقيق مشترك لقانون ٢٠٢١، بما يخص أموال الدعم، والتدقيق الجنائي سيظهر ماذا حدث بالظبط. لقد رأينا إتمام التدقيق بشكل مشترك بين الوزارات والبنك المركزي بما يخص أموال الدعم، وإلى أين تم تحويل الأموال».
واكد «ان تحديد اطلاق مشروع قانون الفجوة المالية قبل نهاية هذه السنة، يعني ان المعركة ستحتدم لتجنب الخسائر التي ستفرض على كل طرف: الدولة او المصارف او مصرف لبنان والمودع الحائر بينها ينتظر اطلاق سراح ودائعه .



